مقال: فاليري لو بران Valérie Le Brenne
ترجمة: مصطفى بن براح Benberrah Moustafa
Passage au crible n°57
في 51 يناير عام 2012، لوثت شركة التعدين قوانغشى جينه مينينغ Guangxi Jihne Mining Co.Ltd نهر لونغ جيانغ Longjiang (الموجود في منطقة قوانغشى المستقلة جنوب الصين) عن طريق إلقاء الكادميوم (منتوج مرتبط باستغلال الزنك شديد السمية). بما أن تربية الأسماك لا يزال نشاطا أساسيا في المنطقة، فقد طرقت وفاة المئات من الأسماك ناقوس الخطر للسلطات المحلية التي حاولت على الفور السيطرة على المادة السامة. وهكذا تعرضت ليوزهو Liuzhou ، ثاني أكبر مدينة في المنطقة والتي تقع 60 كيلومترا من مجرى النهر للتلوث مباشرة. على الرغم من النداءات الرسمية المشوبة بالتفاؤل، سارع سكان المدينة إلى محلات السوبر ماركت من أجل تخزين المياه المعدنية مما عزز من خطر نقص الامدادات.
يُضاف هذا الحادث الى لائحة طويلة من التلوثات الصناعية للمياه المسجلة في الصين في السنوات الأخيرة. تحدث هذه الأضرار في وقت يعاني فيه البلد من تفاوت كبير في التزويد بالمياه وندرة متفاقمة لهذه المادة، إلى جانب تضاعف الحاجة لموارد متعددة للطاقة.
> نبذة تاريخية
> الإطار النظري
> تحليل
> المراجع
منذ عام 1979، تحت قيادة دنغ شياو بينغ Deng Xiaoping، دخلت الصين تدريجيا اقتصاد السوق، وحققت مستويات نمو وقدرة تنافسية جعلت منها الآن ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم. من بين أهداف هذه المرحلة الانتقالية الحد من حجم الواردات و زيادة الصادرات من أجل تطوير قاعدة صناعية قوية، مما يطرح مسألة إمدادات الطاقة الفعلية اللازمة لهذا المستوى من النشاط. سرعان ما دفع وجود باطن غني فيما يخص الطاقة (النفط والفحم واليورانيوم)، الخامات المعدنية (النحاس، والزنك والبوكسيت …) وغير المعدنية (الكبريت، الجرافيت الفوسفور، …)إلى تنظيم حملات واسعة النطاق للتنقيب وفتح العديد من مواقع التعدين، و التي تزامنت مع تكوين العديد من شركات التعدين.
منذ التسعينات، طُرحت قضية الطاقة مع مشكلة التوزيع غير المتكافئ للمياه. في الواقع، إذا كان جنوب الصين يتميز بموارد مائية وفيرة، مما يسمح زراعة الأرز، فإن الشمال يتميز بنقص المياه ومناخ جاف يتجسد طموح خلق توازن بين الجنوب والشمال في مشروع سد الصين العظيم المستكمل في عام 1992، والذي نددت به محكمة المياه الدولية في لاهاي بعد شكوى تقدمت بها كندا.
في غضون ذلك، دخلت الصين في مرحلة تحول حضري. وأدى تدفق المهاجرين من الريف إلى ظهور مدن جديدة، التي زاد عددهم من 69 في أواخر الأربعينيات ليصل إلى 670 خلال العقد الأخير. كما ساهمت الزيادة في الطلب على السلع الاستهلاكية اضافة إلى الانفتاح الاقتصادي للمدن الساحلية على الشركات الأجنبية في زيادة الانتاج الصناعي مما أدى إلى تنوع التلوث المرتبط بالأنشطة الصناعية ليشمل تلوث الهواء، التلوث المرتبط باستخراج الفحم، أو تلوث الماء عن طريق تصريف النفايات السائلة السامة مما ولد مخاطر ثقيلة على الصحة العامة
تجدر الإشارة إلى نقطتين:
1. الضغط على موارد الطاقة لتلبية الطلب المحلي و العالمي. حيث تفرض التنمية الاقتصادية ضرورات من الإنتاجية على الصناعة الصينية، وبالتالي، سرعت زيادة الضغط على موارد الطاقة خوصصة الدولة للشركات. يساهم الانتقال إلى منطق السوق، على حد قول سوزان سترانج Susan Strange في “انتشار القوة” التي تجعل أكثر تعقيدا محاولات تنظيم الدولة.
2. ظهور مجتمع مدني صيني. شجع تزايد الحوادث الصناعيين على ظهور مجتمع مدني الواضح بشكل خاص في مجال الصحة العامة والبيئة. وتمثل هذه القضايا للجهات الفاعلة الاجتماعية أقطاب تنظيم، حيث يؤخذ بعضهم – ذوي العلاقات عبر الوطنية- حاليا بعين الاعتبار من طرف السلطات الصينية
تلويث شركة التعدين قوانغشى جينه مينينغ لنهر لونغ جيانغ بمادة الكادميوم هي أعراض ضرورات الإنتاجية والقدرة التنافسية التي يفرضها النمو الاقتصادي على الصناعة. بالفعل، فإن أهمية الإنتاج الصناعي يولد ضغطا مستمرا على مصادر الطاقة التي أصبح التحكم فيها مسألة استراتيجية رئيسية. في هذا المنظور، يجب أن تعزز شركات التعدين مستوى نشاطها عن طريق تحقيق عائدات أعلى وتنويع مصادر امداداتها. توجد اليوم العديد من الشركات الصينية في أفريقيا منافسة بذلك الشركات الغربية في سوق الطاقة. ومع ذلك، إذا سمحت زيادة الخوصصة بتحول هذه الشركات في الشركات عبر الوطنية، فإنها تحد في الوقت نفسه من القدرة التنظيمية للدولة.
في الواقع، فإن هذا الحادث يكشف عن عدم وجود تشريع ملزم بشأن المسؤولية البيئية للشركات رغم تسببها في عدة كوارث بيئية. يتسبب اليوم تصريف النفايات السائلة السامة مثل الكادميوم في مشكلة حقيقية للصحة العامة. يعرض استهلاك المياه غير الصالحة للشرب الناس لمخاطر السرطان. كما يتأثر أيضا قطاع الزراعة بفعل الآثار البيئية لهذه الأنشطة. في عام 2011، كشفت دراسة نشرتها الأسبوعية شين شيجي Xin Shiji الاقتصادية أن 10٪ من الأرز المنتج في الصين، والمصدر إلى الخارج يحتوي على آثار الكادميوم.
نظرا لحجم هذه الأضرار البيئية، وتحت الضغط المزدوج للمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، تسعى السلطات الصينية الآن للحد من استهلاكها للطاقة ومكافحة التلوث الصناعي. بالإضافة إلى إنشاء سلطات محلية لرصد مستويات التلوث، سمحت الحكومة تحت شروط صارمة بوجود منظمات بيئية غير الحكومية ووجود منظمات غير حكومية دولية. استغل أطراف المجتمع المدني الصيني عجز الدولة للتمحور حول قضية البيئة. اضافة إلى تبليغ الناس عن المخاطر، يملك هؤلاء الفاعلون القدرة على التأثير في سياسات الدولة عن طريق الاعتماد بشكل خاص على شبكات تضامن متعدية للحدود الوطنية. كما تشجع الحكومة الصينية الآن المنظمات البيئية غير الحكومية للمشاركة في وضع “القائمة السوداء” للشركات الملوثة مما يدل على أهميتها المتزايدة .
Chen Jie, « ONG chinoises, société civile transnationale et pratiques démocratiques », Perspectives chinoises, 97, sept-déc 2006
Colonomos Ariel (Éd.), Sociologie des réseaux transnationaux: communautés, entreprises et individus. Lien social et système international, Paris, L’Harmattan, 1995
Keck Margareth, Sikkink Kathryn, Activists beyond Borders: Advocacy Networks in International Politics, Ithaca/London, Cornell University Press, 1998
Strange Susan, Le Retrait de l’État. La dispersion du pouvoir dans l’économie mondiale, [1996], trad., Paris, Temps Présent, 2011