PAC 26 – العولمة من حيث مبدأ الوقاية مقابل السيادات الوطنية ثورة بركان 14 أبريل 2010

Yves Poirmeur مقال: إيف بوامور

ترجمة: بن براح مصطفى

Passage au crible n°26

في 14 أبريل عام2010 يثور البركان الايسلندي “ايجفجول”. فتتشكل سحابة رماد تهدد عمل محركات الطائرات، و تنحدر تدريجيا نحو أوروبا. لتجنب خطر وقوع حوادث ، قامت سلطات المطارات البريطانية والايرلندية ثم السويدية، النرويجية، والبلجيكية، والهولندية، اللكسمبورجية ، الألمانية والفرنسية بتعطيل حركة المرور الجوي فوق جزء أو كامل أراضيها. خلال أسبوع من الشلل ، ألغيت 100000 رحلة جوية مما أثر سلبا من جهة على 8 ملايين مسافر من جهة، والشحن الجوي من جهة اخرى. و قدرت التكلفة بالنسبة للاقتصاد العالمي بحوالي 5 مليار دولار ،منها 2.6 لأوروبا و 260 مليون دولار لفرنسا بمفردها. فيما يتعلق بشركات الطيران، تقدر خسائرها بنحو 188 مليون دولار. كما بلغت خسائر منظمي الرحلات السياحية ووكالات السفر على التوالي 31 و 40 مليون دولار.

نبذة تاريخية
الإطار النظري
تحليل
المراجع

نبذة تاريخية

ضرورة الاحتياط أم الوقاية ؟ من المعروف جيدا خطر سحب الغبار البركاني على الطائرات. استنادا الى حالتي سقوط طائرتين إثر مرورهما خلال سحب غبار انتشر فوق اندونيسيا و الصادرة من بركان “قلونقنق” (طائرة الخطوط الجوية البريطانية في عام 1982) ، و فوق ألاسكا و الصادرة من بركان ردوبت ( طائرة “ك ل م” في 1989 الناقلة لحوالي500 راكب، و التي تمكنت لحسن الحظ من إعادة تشغيل محركاتها). إضافة إلى هاتين الحالتين، تجدر الاشارة الى الاضرار التي لحقت حوالي عشرين طائرة اخرى، و التي كلفت لتصليحها ملايين الدولارات لأن معايير السلامة الجوية تستبعد أي مخاطرة.
استنادا الى المعلومات التي تقدمها مراكز الإرشاد حول الرماد البركاني التابعة لمراكز الارصاد الجوية في أروبا (مركز الارشاد حول الرماد البركاني بلندن، ومركز مراقبة الرماد البركاني بتولوز) ، ينبغي للطائرات تغيير مسارها نحو مطار آخر ، عندما لا يمكنها الوصول الى وجهتها. كما أن الأزمة التي نتجت عن ذلك تمثل تحليلا للتناقضات المتنامية جراء العولمة الاقتصادية والتجزئة السياسية للعالم.

الإطار النظري

عولمة مبدأ الحيطة / الوقاية: يتم تطبيق مبدأ الوقاية على أرض الواقع اكثر من مبدأ الحيطة الذي يشار إليه عادة في الازمة. ومبدأ الحيطة ينطبق على الحالات التي يكون فيها إلحاق الضرر بالغ و نهائي- وإن كانت غير متوقعة في حالة المعرفة العلمية- يمكن ان تتدخل. هذا يتطلب تنفيذ إجراءات لتقدير المخاطر واتخاذ تدابير مؤقتة ومتناسبة لمنع وقوع الضرر. في هذه الحالات تتأكد المخاطر من خلال حالات سابقة كالحوادث المتجنبة في آخر لحظة، تكاليف الإصلاح العالية، إضافة إلى الأضرار التي تلحق بالطائرات التي مرت بمثل هذه السحب. توقف حركة الملاحة الجوية التي قررتها السلطات يدخل في إطار الوقاية، لأنها تهدف إلى حماية الركاب من الخطر الحقيقي.
عالمية الاقتصاد و التفتت السياسي: لم تكن هذه الأزمة النتيجة الوحيدة لظاهرة طبيعية. لقد تطورت ايضا بفعل التفتت السياسي لتنظيم الحركة الجوية. و من جهة أخرى، تم تضخيمها من قبل المنطق الاقتصادي لشركات القطاع الجوي، وعلى نطاق أوسع نتيجة عولمة المبادلات التي جعلت الاقتصادات عبر توحيد العالم تعتمد بدرجة كبيرة على السير السليم لأنظمة النقل والاتصالات.

تحليل

هناك عدة عوامل تعمل على ربط مبدئي بين الحيطة والوقاية : أولا ، عدم التيقن من الموقع الدقيق للسحابة لتحركها المستمر بفعل الرياح ، من ناحية أخرى ، فإن نقص الفهم العلمي لعتبات تركيز الغبار من شأنه تهديد سلامة الطائرات، وأخيرا غياب أدوات فعالة قادرة على قياس التركيزات في مجالاتها الجوية المختلفة. للحد من الآثار الاقتصادية المترتبة على توقيف حركة النقل الجوي، كان من الواجب تحليل المخاطر الخرائطية عبر نموذج رياضي لخبراء الأرصاد الجوية. لكن ذلك لم يعط أية معلومات حول كثافة السحب. في هذه الحالة، و بطريقة تجريبية بسيطة – بإرسال طائرات اختبار في مختلف الممرات الجوية- تم اختبار شدة تنوع المخاطر المختبرة من قبل شركات الطيران بالتعاون مع السلطات التنظيمية. في نهاية المطاف، قام مجلس وزراء النقل الأوروبي بتحديد ثلاث مناطق خطر تبعا لتركيز الرماد في الهواء:1) في المنطقة العالية الخطر تم حظر الطيران. 2) في المنطقة المتوسطة الخطر يمكن لكل دولة السماح بمواصلته. 3) في المنطقة المنخفضة الخطر يبقى المجال الجوي مفتوحا. في إطار هذا التركيب للأطراف الفاعلة – بداية بشركات الطيران والمنظمين- ليس في مصلحة أي منهم المخاطرة بتلف طائرة و حتى وقوع حادث نظرا لانعدام الثقة على نطاق واسع في بالنسبة للنقل الجوي التي قد تنتج عن ذلك. و مع هذا، فإن مراجعة التوصيات المتعلقة بالسلامة التي صدرت دون إنشاء جهاز جديد لتقييم المخاطر يكشف هشاشة ضرورة توخي الحذر في هذا المجال الهام لعمل الشركات المرتبطة اقتصاديا.
لقد ساهمت عوامل عدة في زيادة تعقيد الأزمة وصعوبة حلها. أولا، طريقة تنظيم المجال الجوي الأوروبي غير عقلانية إلى حد كبير. في الواقع ، بدلا من أن يكون مقسما إلى مناطق وظيفية ، تم تقسيمه الى مناطق وطنية وفقا لحدود الدولة القومية مما يعقد أكثر حركة المرور في هاته المنطقة التي تشهد تضاعف الاختناقات. بالإضافة إلى ذلك ، بدلا من أن يعهد بعملية التنظيم الى المشرف الأوروبي لتحسين الحركة الجوية، فإنها تخضع إلى المنظمات الوطنية التي تتداخل مع المنظم الأوروبي يورو كنترول. و من جهة أخرى، فإن النماذج الاقتصادية المعتمدة من قبل شركات الطيران وإدارات المطارات تضاعف من عواقب أي إغلاق للمطارات، ولو جزئيا. هاته الشركات الكبيرة منظمة في إطار شبكات لتركيز الملاحة الجوية على بعض المحاور التي تسمح بتحسين ملء طائراتها مما يجعلها تتأثر بأي انسداد لهاته المنصات. أما بالنسبة للشركات ذات التكلفة المنخفضة، التي تعتمد على التناوب المستمر لطائراتها على المطارات الصغيرة لتحقيق أرباحها، فإنها في حالة خطر توقف الدارة، تفضل إلغاء وقائي لجميع الرحلات الجوية لتفادي العواقب المالية المترتبة على تقديم الدعم للركاب الحاصلين في المطارات. و أخيرا، فإن التقسيم و التخصص العالمي للعمل، إضافة إلى تطور سهولة تنقل -السلع، الخدمات، السياحة- تضاعف من العواقب الاقتصادية المترتبة على أي توقف لحركة السير الجوي في مساحة كثيفة المرور. في النهاية، كلما تطورت العولمة، كلما أصبحت الأنظمة الوطنية اقل فعالية، و الضغوط أكبر في المجالات الاستراتيجية لضمان تدفق حركة المرور من أجل الحد من تطبيق مبدأ الحيطة على ما هو ضروري.

المراجع

Bronner Gérald, Géhin Étienne, L’Inquiétant principe de précaution, Paris, PUF, 2010
Marie-Anne Frison-Roche (Éd.), Les Risques de régulation, Paris, Presses de Sciences Po et Dalloz, 2005
Kourilsky Philippe, Viney Geneviève, Le Principe de précaution : rapport au premier ministre, Odile Jacob, La Documentation française, 2000
Gaïa Daniel, Nouvel Pascal, Sécurité et compagnies aériennes, Éditions du Puits Fleuri, 2006
Institut Pierre Simon Laplace (Université de Versailles Saint-Quentin), LATMOS, « Suivi des émissions de cendres du volcan islandais Eyjafjöll » 20/04/2010. Site Internet easa.europa.eu

PAC 25 – عملية الاندماج غير المكتملة في الاتحاد الأوروبي الأزمة في منطقة اليورو

André Cartapanisمقال: اندري كارتابانيس

ترجمة: سمير بغدادي Samir Bagdadi

Passage au crible n°25

الخلافات تزداد في أوروبا منذ اندلاع الأزمة في المالية العامة لليونان. أيجب تنفيذ سياسة تضامن مالي لصالح دول الاتحاد الفاشلة، إذ تنطوي هذه المساعدة على مبلغ 750 مليار يورو إلى جانب سياسة التكيف لمساعدة اليونان، وباقي دول المنطقة. أينبغي صياغة قواعد أكثر صرامة للميزانية لتفادي تكرار مثل هذا السيناريو المأساوي أم ينبغي بدلا من ذلك فكك الاتحاد النقدي؟

نبذة تاريخية
الإطار النظري
تحليل
المراجع

نبذة تاريخية

تم صك عملة واحدة في عام 1999 تهدف في البداية إلى وضع حد للأزمات المتكررة التي ضربت الاقتصاد الأوروبي وأعاقت نموها.غير أنه انطلاقا من اللحظة التي أصبحت فيها حركة رؤوس الأموال حرة داخل الاتحاد الأوروبي، وكانت من المفروض أن تكون أسعار الصرف فيها ثابتة، وأصبح فيها تعدد السياسة النقدية أمرا مستحيلا، أدى هذا إلى حدوث أزمات عملة متكررة .لقد كان إنشاء منطقة اليورو لضمان زيادة فعالية السياسة النقدية في مكافحة التضخم، وذلك بفضل مصداقية البنك المركزي الأوروبي الذي كان مسؤولا عن استقرار الأسعار، واحترام استقرارها، والنمو، والعجز المالي والدين العام. علاوة على ذلك ، ارتفع اليورو إلى تقديم مزيد من هامش الحرية من خلال إزالة المعوقات لميزان المدفوعات وتشوهات سعر الصرف داخل المنطقة.كما كان من شأنه اليورو أن يقلل الحساسية للتقلبات في أسعار الصرف مقابل العملات الأخرى ، والدولار بشكل خاص. غير أنهم استهانوا كثيرا بصعوبات إدارة اقتصاد مرتبط بعملة وحيدة.

الإطار النظري

1. منطقة نقدية قصوى : من الناحية النظرية لتنجح الوحدة النقدية لا بد لها من أن تخضع لسلسلة من المعايير الاقتصادية الكلية مثل عامل التنقل الممتاز، وبالأخص العمل، الفيدرالية المالية، والتقارب الاسمي، حتى تتحمل الصدمات التي قد يتعرض إليهاعضو معين في الاتحاد، في ضوء السياسة النقدية الموحدة وعدم القدرة على استخدام تعديلات أسعار الصرف بين الدول الأوروبية. نظرا للمخاوف التي أثارها أنصار معايير صارمة من المنتمين إلى المسبق منطقة العملة القصوى.
سيؤدي تطوير التجارة البينية والتكامل الأوروبي بدعم مالي إلى زيادة تقارب الدورات المالية وتقريب مستويات الاستهلاك في لعبة توزيع المدخرات الأوروبية. لكن هذا السيناريو يبدو الآن متفائلا للغاية. في المقابل، اتسمت سنوات 2000 بتباين واضح في مسارات النمو لاقتصاد منطقة اليورو، التي كانت أصلا مرتفعة منذ إنشاء منطقة اليورو.

2. عدم التجانس في منطقة اليورو : لا تمثل أشكال عدم التجانس في منطقة اليورو – نظم نمو متصلة بالديون المنزلية أو الولايات المتحدة ، والتشوهات الضريبية والتفريق بين النظم الاجتماعية، وأنواع التخصصات الدولية- عقبة أمام التنفيذ الفعال للاتحاد النقدي الأوروبي. حقيقة أنه لا تزال هناك اختلافات في تكاليف اليد العاملة أو الاختلافات في وضع التخصص. من المرجح أن تحفز زيادة الكفاءة في تخصيص العوامل. وهذا يتطلب أن لا تقترن هذه التمييزات باختلالات في الاقتصاد الكلي المستدامة ، من حيث البطالة، والنمو والديون – التي تجعل من هذا التكوين لا يمكن تحمله. لقد فشلت السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي والتنسيق من خلال السياسات المالية المنخفضة التي فرضها ميثاق الاستقرار، لتلبية مسارات محددة لاقتصادات منطقة اليورو. بالإضافة إلى ذلك صدرت ضدهم أحكام من قبل الاختلالات في الاقتصاد الكلي المتكررة للدول الأعضاء. أخيرا، كانت أضعف من قبل الاداء العام من حيث النمو أو البطالة. بطبيعة الحال ،لقد أدت الأزمة المالية العالمية إلى تفاقم هذا الوضع.

تحليل

يتجلى التباين في منطقة اليورو منذ منتصف سنوات الـ 2000في وجهات التصدير، بما في ذلك داخل الاتحاد. كما ينعكس ذلك كثيرا على تطور تكاليف وحدة العمل ونسبة ديون الأسر والدول. لقد زاد تباينالعرض أو الطلب ، بالإضافة للتباينات القديمة، من التشوهات المحلية، دون أن يتسنى تطبيق سياسات التكيف مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي.لم تتمكن قواعد ومؤسسات الإدارة الاقتصادية في منطقة اليورو، التي كانت معدة لصدمات دورية قليلة الأثر، من الاستجابة بفعالية على دينامية الاقتصاد الكلي والهيكلية المتباينة، وخصوصا في مواجهة السياسة الألمانيةفيما يتعلق بتحديد الأجور.

ظلت الحكومات الأوروبية على مفترق طرق في المسائل النقدية مع معاهدتي ماستريخت وأمستردام. قد يكون ذلك لأنها قد تمادت بخلقها عملة موحدة في مجال اقتصادي لا يصلح لذلك، أو أنها لم تقم بما فيه الكفاية لتحقيق التكامل بين السياسات الاقتصادية على المستوى الأوروبي.

ينبغي أن نفهم أنه لا يمكن اقتصار الوحدة النقدية على تقنية بسيطة تتمثل باستخدام أدوات السياسة العامة، وتقليل الخلل الناجم عن عدم الاستقرار في أسعار الصرف. يرى كثيرون – منهم جاك ديلور – كان الاتحاد الاقتصادي والنقدي مشروع سياسي يعدف إلى تعميق التكامل الاقتصادي والسياسي في أوروبا. لكن الأزمة في منطقة اليورو وتحديات العولمة ونموالجديد بعد الأزمة تجعل من الاتحاد أمرا حتميا؛ ولذلك فمن الملح بناء نموذج جديد للوحدة النقدية الأوروبية.

المراجع

Beetsma Roel, Massimo Giuliodori, “The Macroeconomic Costs and Benefits of the EMU and other Monetary Unions: An Overview of Recent Research”, Journal of Economic Literature, 2010, (forthcoming)
Cartapanis André (Éd.), “Les enseignements d’une décennie d’euro”, Numéro spécial de la Revue d’Économie Politique, 120 (2), mars-avril 2010
European Commission, “EMU@10: Successes and Challenges after 10 Years of Economic and Monetary Union”, European Economy, (2), 2008
Mackowiak Bartosz, Francesco Paolo Mongelli, Gilles Noblet, Frank Smets, (Ed.), The Euro at Ten – Lessons and Challenges, European Central Bank, Frankfurt, 2009

PAC 24 – العلاج التقني لآفة عالمية اليوم العالمي الثالث للملاريا في الخامس والعشرين من نيسان عام ألفين وعشرة

Clément Paule مقال: كليمن بول

ترجمة: حسيبة بن موسى Benmoussa Hassiba

Passage au crible n°24

احتُفل في الخامس والعشرين من نيسان عالم ألفين وعشرة باليوم العالمي للبالوديسم والذي نادت به الجمعية العامة للصحة في أيّار عام ألفين وسبعة. ولقد جمع هذا الحدث جميع الجهات المعنية بمكافحة هذا المرض الطفيلي الذي يصيب مائتين وخمسون مليون شخص ويقتل مليون منهم كلّ سنة. هذا الوباء والمسمّى أيضا بالملاريا لا يزال مُتركّزا في المئات من البلدان أهمها إفريقيا السوداء أين يوجد خمسة وثمانون بالمائة من حالات الوفاة وأيضا في العديد من مناطق آسيا وأمريكا اللاتينية. ولكن آخر إحصائيات لمنظمة الصحة العالمية تشير إلى انخفاض في الحالات المُعلنة في سبع وعشرين دولة ومنها زامبيا، رواندا وأريتيريا. علاوة على هذا، زادت التمويلات العالمية لعلاجها حتى أصحبت ستة أضعاف منذ ألفين وثلاثة لتصل إلى1,7 مليار عام ألفين وتسعة. هذه الإحصاءات مُشجعة للمضي قدما في القضاء على هذه الطفيليات القاتلة.

نبذة تاريخية
الإطار النظري
تحليل
المراجع

نبذة تاريخية

اكتُشف الطفيل المسبب للمرض (بلاسموديوم) وطريقة انتشاره(البعوضة الانفولية) في أواخر القرن التاسع عشر. ولكن التعاون بين الدول ضد البالوديسم ظل محدودا ضمن لجنة أُنشأت عام ألف وتسع مائة وأربع وعشرون في إطار عصبة الأمم. ولقد جاءت عدة مبادرات على المستوى العالمي في الجزء الأوّل من القرن العشرين من قبل القطاع الخيري. على سبيل المثال، وضعت مؤسسة روكفلير في سنوات الثلاثينات برنامج بحث خاص ساهم في القضاء على ناقلات المرض في القارة الأمريكية وأوروبا. لقد اختفت الملاريا من معضم الدول الغربية وهذا سنة ألف وتسمع مائة وستة وأربعين تاريخ إنشاء منظمة الصحة العالمية التي أخذت على عاتقها القضاء عالميا على هذا المرض. وفي هذا السياق، أعلنت الجمعية الثامنة للصحة العالمية عالم ألف وتسع مائة وخمس وخمسين عن برنامج القضاء على البالوديسم الذي استند على نقطتين : كلوروكين (أول مضاد مركب) ومبيدات الدي تي تي (ديكلوغوديفينيلتريكلوغياثان). ولكن تجاهل التوجه التكنولوجي والقيادة العمودية لهذه الحملة، الحقائق المحلية. وأخيرا، ساهمت المقاومة المتنامية التي طوّرها البلاسموديوم والبعوض في تفاقم الصعوبات المالية والتنظيمية التي واجهها برنامج القضاء على البالوديسم مما أدّى إلى فشل هذه الإجراءات ومعاقبة العاملين عليها علنا من قبل جمعية الصحة العالمية عام ألف وتسع مائة وتسعة وستون.
ومنذ ذلك الحين، اختفت الملاريا من الأجندة العالمية حتى سنوات التسعينات قبل أن تتوالى المبادرات التي تسمح بإعادة النظر في السياسة المضادة للملاريا. ونذكر في هذا السياق مؤتمر أمستردام الذي نظمته منظمة الصحة العالمية عام ألف وتسع مائة واثنين وتسعون والتي أُعلن فيه أن القضاء على هذا المرض هو هدف من أهداف الألفية القادمة. علاوة على ذلك ، ألقى إعلان أبوجا عام ألفين على عاتق رؤساء البلدان الإفريقية خفض الوافيات الناجمة عن الملاريا للنصف خلال العشر سنوات القادمة. وبالموازاة مع هذا، وُضع نظام تعاون جديد تحتل فيه الجهات الخاصة مكانة مهمة كمؤسسة غايتس. يحث هذا التجديد على التقريب بين الشركات العالمية وخاصة المختبرات الصيدلانية. في هذه الحالة، تنضم هذه المجموعة غير المتجانسة إلى نوع من الشراكة بين الخاص والعام كالشراكة للقضاء على الملاريا، مشروع أدوية ضد الملاريا أو مبادرة لقاح الملاريا، هذه المؤسسات رأت النور بين1997 و1999.
يخص هذا التطور كذلك طرق التمويل (إنشاء الصندوق العالمي لمكافحة السيدا والسل والملاريا في كانون الثاني ألفين واثنين) التي زادت بطريقة ملحوظة. وقد تستطيع الجهود المبذولة من طرف مؤسسة غايتس و تقوية برنامج الملاريا من طرف البنك الدولي ومبادرة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لمكافحة الملاريا الوصول إلى هدفها وهو جمع خمس مليار دولار سنويا. تُعتبر خطة العمل المقترحة من طرف القضاء على الملاريا سنة ألفين وثمانية مُرشدا لكل من يساهم في هذا المجال.

الإطار النظري

1. نافذة الفرصة، وُضعت من طرف جون كينغدون، هذا المفهوم يعكس كيفية إدراج مشكل ما على أجندة أصحاب القرار. وفي هذا الصدد، يضمن اليوم العالمي للبالوديسم مواصلة المحاربة العالمية لهذا المرض.

2. التوجه التكنولوجي. تتشكل الاستراتيجيات المضادة للملاريا عن طريق توجه تكنولوجي يُرشّد استخدام الأدوات وهذا حسب مردودها وفعاليتها. ومع هذا يُهمل هذا المنطق الاقتصادي الأغراض الاجتماعية لهذه التجهيزات مما يجعلها مجرد حلول سحرية ولكن على مدى قصير.

تحليل

تُساهم فعاليات الخامس والعشرون من نيسان ألفين وعشرة في زيادة التعبئة ضد هذا المرض وهذا منذ أواخر التسعينات. كما يطغى على هذا الحدث طابعا رمزيا بما أنّ العشرية العالمية – والتي أنشئت بموجب القرار 55/284 الصادر من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة – المخصصة للعمل على القضاء على البالوديسم قد انتهت. وبالإضافة إلى هذا، سيتم عقد مؤتمر لمُمَولي الصندوق العالمي في تشرين الثاني من سنة الفين وعشرة في نيويورك حتى يتم تحديد التزاماتهم وهذا إلى غاية ألفين وثلاثة عشر. ويمثل هذا اليوم الذي يتم فيها العديد من اللقاءات العلمية والتجمعات الرياضية والاحتفالات في العالم بأسره فرصة للعاملين على القضاء على هذا المرض. وتتميز هذه الطبعة الثالثة للحدث باتخاذها شعار “القضاء على البالوديسم” في تلميح للقضاء المثالي على هذا المرض والذي أحياه بيل غايتس عام ألفين وسبعة. ولكن هذا الهدف الذي تم إبعاده من طرف منظمة الصحة العالمية بعد الفشل الذريع عام ألف وتسمع مائة وتسعة وستون، يمثل قطيعة رمزية مع إخفاقات الماضي ويبدو أنّه يضع أسس توافق آراء متجدد حول مدى فعّالية أساليب العمل.
ومع ذلك وحتى وإن بدت الإحصائيات مشجّعة فإنّ هناك أصوات معارضة تندد بتفاؤل غير مبرر. من الآن فصاعدا، سيقاوم الطفيلي الأغتميسنين (دواء مضاد للملاريا اكتشف في السبعينات) والمبيدات الحشرية كالبيريترونيد. ولقد أظهرت بحوث حديثة أن المرض يوجد عند القرود أيضا مما يؤدي إلى إعادة النظر في كون المرض موجود فقط عند الانسان عن طريق البعوض. بالتالي، الحملة العالمية ضد الملاريا سيكون مفعولها فقط على المدى المتوسط. وبالاضافة إلى هذه الاعتراضات التقنية، يوجد كذلك انتقاد لسياسات الصحة العالمية التي لا تُشرك الفاعلين المحليين في برامجها. وبهذا يكون هدف القضاء على الملاريا مجرد إعلان أو مجرد مسألة مؤقتة ولا تَتَضمنُ التزاما طويل الأمد. وأكثر من ذلك، اتُهمت مؤسسة غايتس بإعادة استنساخ تقنيات برنامج القضاء على البالوديسم وذلك عن طريق دعم حلول تُعتبر مُربحة وفعّالة كالتحصين على نطاق واسع. ولكن نجاح لقاح ضد البالوديسم لا يضمن نجاحه اجتماعيا يعني استخدامه الفعلي من طرف السكان. والمثال الأوضح هو أنفلونزا أ أش واحد أن واحد الذي يبرز فكرة أنّ وحدها تركيبة البلاسموديوم تعوق البحث وذلك منذ عشرين سنة.
تحويل أجهزة مكافحة البالوديسم إلى مجرد أدوات تقنية بسيطة يحجب الفجوة الموجودة بين الشمال والجنوب. وتقتل الملاريا اكثر الأطفال والنساء الحوامل في إفريقيا السوداء. بعبارة أخرى، لا تستطيع الشركات الصيدلانية أن تتوقع عائدا من استثماراتها الكبيرة بينما تكاليف الابتكار تبقى مرتفعة. مع هذا، نُفذت بعض المبادرات كالشراكة الإفريقية للملاريا لجلاكسوسميثكلاين (التي تجرب حاليا لقاح أر تي أس، أس) أو مشروع تأثير الملاريا لساموفي-أفانتيس. حتى ولو قامت هذه الشراكات بين العام والخاص بتحسيس جزء من القطاع الخاص ضد المرض إلاّ أن هذا التقارب لا يخلو من الغموض. ولقد أدانت منظمة الصحة العالمية سبع وثلاثين مختبر استمر في تسويق الأغتميسنين على الرغم من أن استخدامه يؤدي إلى تطوير مقاومة الطفيليات. يبدو أنّ الانتصار على البالوديسم يجب أن يتم على المستويين : التقدم العلمي ومراعاة البعد الاجتماعي للصحة العامة العالمية.

المراجع

« Malaria 2010: More Ambition and Accountability Please », The Lancet, 375 (9724), 24 avril 2010, p. 1407
Guilbaud Auriane, Le Paludisme. La lutte mondiale contre un parasite résistant, Paris, L’Harmattan, 2008. Coll. Chaos International
Kingdon John W., Agendas, Alternatives and Public Policies, 2ème éd., New York, Harper Collins, 1995
Shah Sonia, « Une autre approche contre le paludisme », Le Monde diplomatique (674), mai 2010, p. 10
Site de la Journée mondiale du Paludisme : http://www.worldmalariaday.org 24 mai 2010
WHO (World Health Organization), World Malaria Report 2009, 2009, disponible sur le site de l’OMS : http://www.who.int 24 mai 2010

PAC 23 – قمة واشنطون 12-13 أبريل 2010 المستقبل العبر وطني للإرهاب

كتبه: جان جاك روش Jean-Jacques Roche

ترجمه: خالد جهيمة Kaled Jhima

Passage au crible n°23

انعقدت في واشنطون, فيما بين 12, و13, أبريل 2010, قمةٌ كُرِّست للإرهاب النووي, حضرها 42 رئيسَ دولة , وحكومة, ورعاها باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. وقد سبقت هذه القمةُ المؤتمرَ الجديدَ لمعاهدة حضر الانتشار النووي الذي تم في نيويورك, فيما بين 3, و28 مايو 2010.

نبذة تاريخية
الإطار النظري
تحليل
المراجع

نبذة تاريخية

لقد اعتُبر الإرهابُ, منذ وقت طويل, سلاحَ الفقراء؛ لذا فقد حاولت الدول الغربية وحدها, خلال الحرب الباردة, مكافحةَ هذا التهديد الذي كان يستهدف في الأساس وسائل اتصالها. يمكن أن نشير, في هذا السياق, إلى اتفاقية عام 1979 المناهضة لأخذ الرهائن, وإلى اتفاقية عام 1988 المنظمة لمكافحة القرصنة البحرية, وفي النهاية, إلى بروتوكول روما, 1988, المتعلقِ بأمن المنصات الثابتة الواقعة على الجرف القاري. لكن انتهاء الثنائية القطبية غَيَّر من طريقة معالجة هذه القضية الرئيسية في العلاقات الدولية, ومكَّن, في السنوات الأولى من تسعينات القرن الماضي, بخاصة, من وقف معارضة البلدان النامية لذلك. فقد تم التصويت على تصريح الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلق بـ”الإجراءات التي تستهدف القضاء على الإرهاب الدولي” في 9 ديسمبر 1994. لقد تنبأ هذا النص بتبني الاتفاقية المتعلقة بقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل, في 12 يناير 1998.
تُوجد الأسلحة النووية منذ عام 1945, لكن عدد الدول التي تملكها, إلى اليوم, رسميا أو غير رسمي, لا يتجاوز التسع (الصين, وكوريا الشمالية, والولايات المتحدة الأمريكية, وفرنسا, والهند, وإسرائيل, وباكستان, والمملكة المتحدة, وروسيا). تحكم دبلوماسيةَ نزعِ السلاح, الممعِنةَ في الرتابة, ثمانيةُ مؤتمرات استعراض معاهدة عدم الانتشار النووي, التي وُقِّعت في عام 1968 , ثم مُدِّدت إلى أجل غيرِ مسمى في عام 1995, ومعاهدات ستارت الأربع القاضية بتخفيض الأسلحة النووية, والتي وقَّع منها الرئيسان الروسي, والأمريكي في براغ في 8 من شهر أبريل الماضي نسخةْ جديدة, سميت بمتابعة البداية, وفي النهاية معاهدة حضر التجارب النووية التي تم تبنيها في عام 1996 , لكن هذه الأخيرة لم تدخل حيز التطبيق إلى هذا اليوم؛ لعدم وجود عدد كاف من التصديقات عليها, في حين أن دولة إيران تُهدد عملية نزع السلاح النووي بأكملها.
يركز مؤتمر واشنطون, في هذا السياق, على خطر الطاقة الدرية على الأمن العالمي, إذ لم يعد الأمر يقتصر على الأخذ في الاعتبار الرؤوس النووية, وحاملاتها, بل تعداه إلى كل المواد الانشطارية القادرة على صنع قنبلة قذرة. يوجد أكثر من 1600 طن من اليورانيوم , و500 طن من البلوتونيوم منتشرة في مراكزَ نووية مدنيةٍ, وفي سفن تعمل بالطاقة النووية, وأيضا في الرؤوس النووية المتراكمة في مخازن غير محروسة جيدا أحيانا, في أكثر من ستين دولة .

الإطار النظري

1 ـ الأمن الشامل. يتعلق هذا المفهوم, الذي ظهر في عام 1983 في مقال مؤسِّس كتبه ريتشارد أولمان Richard Ullman بعنوان إعادة تعريف الأمن (Redefining Security), ثم طوَّره في السنة نفسها بيري بوزان Barry Buzan في مقال بعنوان الناس, والدول , والخوف People, States and Fear , باستكمال النهج التقليدي للأمن على الصعيدين الدبلوماسي, والاستراتيجي بأربع جوانب (الاقتصاد, وحقوق الإنسان, والقيم, والبيئة). لقد استطاع هذا المفهوم , الذي طوَرته, في الأصل, مدرسة كوبنهاجن من منظور بنائي, فرضَ نفسه على الدول, وعلى المؤسسات الدولية باعتباره إطارا عمليا , على الرغم من خضوعه لإعادة اعتماد مكثفة.
2ـ نمذجة الأزمات. تفصل هذه النَّمذجة, انطلاقا من أعمال بروباكر Brubacker, وليتين Laitin, بين الأزمة, وبين العنف؛ إذ إن جميع حالات التوتر لا تؤدي بالضرورة إلى العنف, في حين أن البحث, منذ كينيت وولتز Kenneth Waltz, لا يفصل سوي بين المستويات الثلاثة التالية : (الفرد, المؤسسات السياسية, والهياكل الدولية (Man, the State and War, 1959 ). إن من المهم الآن توحيدها في إطار تحليلي مشترَك, لمحاولة فهم محدِّدات الأعمال الفردية, ونتائجِها على المستويين الوطني, والدولي.

تحليل

تَدفع قمةُ واشنطون إلى التساؤل عن قدرة البيروقراطيات الأمنية على مواجهة الإرهاب النووي؛ إذ تنطوي طبيعة التهديد النووي المروِّعة, في الواقع, على استثمار كبير لأجهزة مختلفة, وتجعل من التعاون الدولي أمرا لا غنى عنه. إن كان الخطر يأتي أساسا من القنابل القذرة, فإن مما يجب معرفته, من جهة أخرى, أنها تترك آثارا في كل مكان, يمكن ملاحظتها بسهولة؛ لذا فإن فعالية أجهزة مكافحة التجسس, والشرطة, يمكنها, إن نقلت إليها إشارات الإنذار في الوقت المناسب, الحد بنجاعة , من إمكانية نجاح هجوم إرهابي مُحتمَل. تُمَكِّن, في هذا السياق, إستراتيجيةُ جمع الأجهزة المتخصصة في هياكل موحدة ـ الأمن الداخلي هوملاند سكيوريتي Homeland Security في الولايات المتحدة , والإدارة المركزية للمخابرات الداخليةDCRI في فرنسا ـ من معالجة المعلومات بطريقة أفضل, ومن تخفيض حِدَّة المنافسة داخل كل مؤسسة , وبين المؤسسات بعضها مع بعض. لقد نجحت قمة واشنظون , إلى جانب تذكيرها بضرورة التعاون الدولي, في توعية الهيئات الوطنية بمتطلبات أمن أصبح “جماعيا”.
تُشَكل القنابل القذرة ـ التي تُعَرض للموت أولئك الذين يُقررون الاستعانة بها ـ تحديا لتفاعل الهياكل العمومية التي تواجه مثل هذه القرارات الفردية. لكن الإدارات الوطنية تباطأت في التكيُّف مع مفهوم الأمن الشامل, الذي لم يعد يتوجه في النهاية إلى الدولة , بل إلى الجنس البشري جميعه. ذلك لأن التهديدات لم تعد تعالج في مستوى العلاقات البين ـ حكومية, وإنما تجاوزته, من الآن فصاعدا, إلى مستوى آخر هو مستوى العلاقات العبر وطنية. تَشهد على هذه الصعوبة في التكيُّف مع هذه المعطيات العالمية الجديدة, مثلا, الكتب البيضاء الفرنسية, التي لم يظهر فيها مصطلح الأمن الشامل إلا في عام 2008, ليصبح المفهوم, في النهاية, مركزيا بالنسبة للسلطات العامة الفرنسية , على الرغم من أن محرر الكتاب في عام 1994 , والذي لم يحمل أي إشارة إلى هذا المصطلح, قد أصبح رئيس اللجنة المكلفة بالوثيقة في عام 2008, في حين أنه ظهر في الأدبيات الأكاديمية منذ بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي. لقد ساهم مفهوم الأمن الشامل, بمقاربته في هذه الظروف, في “إفساد مُقلق للخطاب الاستراتيجي” بحسب تعبير جان ديفورك, بتفاقم الشعور بعدم الأمن من خلال التقليل من الأخطار. يَرسم الكتاب الأبيض, كغيره من الأعمال التي على شاكلته, خريطةْ لعقليات محرريه, دون أن يحمل أي أثر يمكن استخدامه في توقُّع عمليات زعزعة الاستقرار في مستقبل قريب. يبدو, بعبارة أخرى, أن التفكير الذي تتبناه الهيئات السياسية, والإدارية يتماشى مع قفل الثغرات التي كشفت عنها هجمات الأمس, لكنه يظهر غير قادر تماما على توقع طرق عمل إرهابيي المستقبل, القائم على المحددات الفردية.

المراجع

Barry Buzan, People, States and Fear: The National Security Problem in International Relations, Brighton, Harvester Wheatsheaf, 1983
Rogers Brubaker, « David Laitin, Ethnic and Nationalist Violence », Annual Review of Sociology, 24, 1998, pp. 423-452
Jean-Jacques Roche, « Épistémologie de la Prospective Sécuritaire », Défense Nationale, juillet-août 2009, pp. 166-185
Richard Ullman, « Redefining Security », International Security, 8 (1), Summer 1983, pp. 129-153

PAC 22 – قمة واشنطون 12-13 أبريل 2010 المستقبل العبر وطني للإرهاب

كتبه: جان جاك روش Jean-Jacques Roche

ترجمه: خالد جهيمة Kaled Jhima

Passage au crible n°23

انعقدت في واشنطون, فيما بين 12, و13, أبريل 2010, قمةٌ كُرِّست للإرهاب النووي, حضرها 42 رئيسَ دولة , وحكومة, ورعاها باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. وقد سبقت هذه القمةُ المؤتمرَ الجديدَ لمعاهدة حضر الانتشار النووي الذي تم في نيويورك, فيما بين 3, و28 مايو 2010.

نبذة تاريخية
الإطار النظري
تحليل
المراجع

نبذة تاريخية

لقد اعتُبر الإرهابُ, منذ وقت طويل, سلاحَ الفقراء؛ لذا فقد حاولت الدول الغربية وحدها, خلال الحرب الباردة, مكافحةَ هذا التهديد الذي كان يستهدف في الأساس وسائل اتصالها. يمكن أن نشير, في هذا السياق, إلى اتفاقية عام 1979 المناهضة لأخذ الرهائن, وإلى اتفاقية عام 1988 المنظمة لمكافحة القرصنة البحرية, وفي النهاية, إلى بروتوكول روما, 1988, المتعلقِ بأمن المنصات الثابتة الواقعة على الجرف القاري. لكن انتهاء الثنائية القطبية غَيَّر من طريقة معالجة هذه القضية الرئيسية في العلاقات الدولية, ومكَّن, في السنوات الأولى من تسعينات القرن الماضي, بخاصة, من وقف معارضة البلدان النامية لذلك. فقد تم التصويت على تصريح الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلق بـ”الإجراءات التي تستهدف القضاء على الإرهاب الدولي” في 9 ديسمبر 1994. لقد تنبأ هذا النص بتبني الاتفاقية المتعلقة بقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل, في 12 يناير 1998.
تُوجد الأسلحة النووية منذ عام 1945, لكن عدد الدول التي تملكها, إلى اليوم, رسميا أو غير رسمي, لا يتجاوز التسع (الصين, وكوريا الشمالية, والولايات المتحدة الأمريكية, وفرنسا, والهند, وإسرائيل, وباكستان, والمملكة المتحدة, وروسيا). تحكم دبلوماسيةَ نزعِ السلاح, الممعِنةَ في الرتابة, ثمانيةُ مؤتمرات استعراض معاهدة عدم الانتشار النووي, التي وُقِّعت في عام 1968 , ثم مُدِّدت إلى أجل غيرِ مسمى في عام 1995, ومعاهدات ستارت الأربع القاضية بتخفيض الأسلحة النووية, والتي وقَّع منها الرئيسان الروسي, والأمريكي في براغ في 8 من شهر أبريل الماضي نسخةْ جديدة, سميت بمتابعة البداية, وفي النهاية معاهدة حضر التجارب النووية التي تم تبنيها في عام 1996 , لكن هذه الأخيرة لم تدخل حيز التطبيق إلى هذا اليوم؛ لعدم وجود عدد كاف من التصديقات عليها, في حين أن دولة إيران تُهدد عملية نزع السلاح النووي بأكملها.
يركز مؤتمر واشنطون, في هذا السياق, على خطر الطاقة الدرية على الأمن العالمي, إذ لم يعد الأمر يقتصر على الأخذ في الاعتبار الرؤوس النووية, وحاملاتها, بل تعداه إلى كل المواد الانشطارية القادرة على صنع قنبلة قذرة. يوجد أكثر من 1600 طن من اليورانيوم , و500 طن من البلوتونيوم منتشرة في مراكزَ نووية مدنيةٍ, وفي سفن تعمل بالطاقة النووية, وأيضا في الرؤوس النووية المتراكمة في مخازن غير محروسة جيدا أحيانا, في أكثر من ستين دولة .

الإطار النظري

1 ـ الأمن الشامل. يتعلق هذا المفهوم, الذي ظهر في عام 1983 في مقال مؤسِّس كتبه ريتشارد أولمان Richard Ullman بعنوان إعادة تعريف الأمن (Redefining Security), ثم طوَّره في السنة نفسها بيري بوزان Barry Buzan في مقال بعنوان الناس, والدول , والخوف People, States and Fear , باستكمال النهج التقليدي للأمن على الصعيدين الدبلوماسي, والاستراتيجي بأربع جوانب (الاقتصاد, وحقوق الإنسان, والقيم, والبيئة). لقد استطاع هذا المفهوم , الذي طوَرته, في الأصل, مدرسة كوبنهاجن من منظور بنائي, فرضَ نفسه على الدول, وعلى المؤسسات الدولية باعتباره إطارا عمليا , على الرغم من خضوعه لإعادة اعتماد مكثفة.
2ـ نمذجة الأزمات. تفصل هذه النَّمذجة, انطلاقا من أعمال بروباكر Brubacker, وليتين Laitin, بين الأزمة, وبين العنف؛ إذ إن جميع حالات التوتر لا تؤدي بالضرورة إلى العنف, في حين أن البحث, منذ كينيت وولتز Kenneth Waltz, لا يفصل سوي بين المستويات الثلاثة التالية : (الفرد, المؤسسات السياسية, والهياكل الدولية (Man, the State and War, 1959 ). إن من المهم الآن توحيدها في إطار تحليلي مشترَك, لمحاولة فهم محدِّدات الأعمال الفردية, ونتائجِها على المستويين الوطني, والدولي.

تحليل

تَدفع قمةُ واشنطون إلى التساؤل عن قدرة البيروقراطيات الأمنية على مواجهة الإرهاب النووي؛ إذ تنطوي طبيعة التهديد النووي المروِّعة, في الواقع, على استثمار كبير لأجهزة مختلفة, وتجعل من التعاون الدولي أمرا لا غنى عنه. إن كان الخطر يأتي أساسا من القنابل القذرة, فإن مما يجب معرفته, من جهة أخرى, أنها تترك آثارا في كل مكان, يمكن ملاحظتها بسهولة؛ لذا فإن فعالية أجهزة مكافحة التجسس, والشرطة, يمكنها, إن نقلت إليها إشارات الإنذار في الوقت المناسب, الحد بنجاعة , من إمكانية نجاح هجوم إرهابي مُحتمَل. تُمَكِّن, في هذا السياق, إستراتيجيةُ جمع الأجهزة المتخصصة في هياكل موحدة ـ الأمن الداخلي هوملاند سكيوريتي Homeland Security في الولايات المتحدة , والإدارة المركزية للمخابرات الداخليةDCRI في فرنسا ـ من معالجة المعلومات بطريقة أفضل, ومن تخفيض حِدَّة المنافسة داخل كل مؤسسة , وبين المؤسسات بعضها مع بعض. لقد نجحت قمة واشنظون , إلى جانب تذكيرها بضرورة التعاون الدولي, في توعية الهيئات الوطنية بمتطلبات أمن أصبح “جماعيا”.
تُشَكل القنابل القذرة ـ التي تُعَرض للموت أولئك الذين يُقررون الاستعانة بها ـ تحديا لتفاعل الهياكل العمومية التي تواجه مثل هذه القرارات الفردية. لكن الإدارات الوطنية تباطأت في التكيُّف مع مفهوم الأمن الشامل, الذي لم يعد يتوجه في النهاية إلى الدولة , بل إلى الجنس البشري جميعه. ذلك لأن التهديدات لم تعد تعالج في مستوى العلاقات البين ـ حكومية, وإنما تجاوزته, من الآن فصاعدا, إلى مستوى آخر هو مستوى العلاقات العبر وطنية. تَشهد على هذه الصعوبة في التكيُّف مع هذه المعطيات العالمية الجديدة, مثلا, الكتب البيضاء الفرنسية, التي لم يظهر فيها مصطلح الأمن الشامل إلا في عام 2008, ليصبح المفهوم, في النهاية, مركزيا بالنسبة للسلطات العامة الفرنسية , على الرغم من أن محرر الكتاب في عام 1994 , والذي لم يحمل أي إشارة إلى هذا المصطلح, قد أصبح رئيس اللجنة المكلفة بالوثيقة في عام 2008, في حين أنه ظهر في الأدبيات الأكاديمية منذ بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي. لقد ساهم مفهوم الأمن الشامل, بمقاربته في هذه الظروف, في “إفساد مُقلق للخطاب الاستراتيجي” بحسب تعبير جان ديفورك, بتفاقم الشعور بعدم الأمن من خلال التقليل من الأخطار. يَرسم الكتاب الأبيض, كغيره من الأعمال التي على شاكلته, خريطةْ لعقليات محرريه, دون أن يحمل أي أثر يمكن استخدامه في توقُّع عمليات زعزعة الاستقرار في مستقبل قريب. يبدو, بعبارة أخرى, أن التفكير الذي تتبناه الهيئات السياسية, والإدارية يتماشى مع قفل الثغرات التي كشفت عنها هجمات الأمس, لكنه يظهر غير قادر تماما على توقع طرق عمل إرهابيي المستقبل, القائم على المحددات الفردية.

المراجع

Barry Buzan, People, States and Fear: The National Security Problem in International Relations, Brighton, Harvester Wheatsheaf, 1983
Rogers Brubaker, « David Laitin, Ethnic and Nationalist Violence », Annual Review of Sociology, 24, 1998, pp. 423-452
Jean-Jacques Roche, « Épistémologie de la Prospective Sécuritaire », Défense Nationale, juillet-août 2009, pp. 166-185
Richard Ullman, « Redefining Security », International Security, 8 (1), Summer 1983, pp. 129-153