PAC 51 – انتهاك الاحتكار الدبلوماسي للدول مثول الجندي الأمريكي مانينغ أمام القضاء العسكري، 16 ديسمبر 2011

مقال: جوزيفا لاروش Josepha Laroche

ترجمة: بن براح مصطفى Benberrah Moustafa

Passage au crible n°51

Bradley ManningSource: Wikipedia

مَثَل في 16 ديسمبر 2011 الجندي الأمريكي برادلي مانينغ أمام القضاء العسكري في فورت ميد بولاية ماريلاند. ويشتبه في انه من زود ويكيليكس بين نوفمبر 2009 ومايو 2010 بوثائق الجيش الامريكي حول الحرب في العراق وأفغانستان. كما انه قد يكون حمٌل وأرسل 000 260 برقية دبلوماسية صادرة من وزارة الخارجية. و تخص هذه الوثائق العديد من البلدان والشخصيات السياسية والعسكرية. واتهم بالتالي هذا الجاسوس المزعوم “بالتواطؤ مع العدو” ، “نشر معلومات عسكرية” ، “نشر معلومات عبر شبكة الأنترنت رغم معرفة أنها ستكون في متناول العدو”، و “الاحتيال وخيانة النظام العسكري “.
يتواجد برادلي مانينغ البالغ سن 23 سنة في السجن منذ يوليو 2010، و يحظى بتغطية إعلامية واسعة، و بتأييد بين الشعب الأميركي، ولا سيما بين دعاة السلام. وقد ندد دفاعه مباشرة بتحيز المحكمة. حيث طالب من المدعي العام العسكري إعادة النظر في موقفه ولكنه لم ينفذ. و دامت الجلسة التمهيدية خمسة أيام. خلال هذا المثول، لن يتم تحديد ما إذا كان الجندي مذنبا أم بريئا ، بل اكتفت المحكمة بعرض الاتهامات التي تستهدفه. و قرر المحققون ما إذا توجب عرض القضية أمام محكمة عسكرية. في كل الأحوال، فإن المحاكمة لن تبدأ قبل ربيع عام 2012. ومع ذلك، يتعرض المدعى عليه إلى إمكانية الحكم بالسجن مدى الحياة.

نبذة تاريخية
الإطار النظري
تحليل
المراجع

نبذة تاريخية

تم إنشاء موقع ويكيليكس في ديسمبر 2006، و هو المستفيد المزعوم من تسرب المعلومات، و بذلك يعتبر طرف غير مباشر في هذه القضية. ويَكشف منذ ذلك الحين، بطريقة مجهولة، غير قابلة للتعريف و آمنة معلومات سرية ذات طبيعة سياسية، اجتماعية، اقتصادية وعسكرية. و يعمل بذلك من أجل شفافية يريدها عالمية. وفقا لمؤسسها جوليان أسانج، تخضع المصادر التي تتلقاها شبكته للتحليل و التعليق والتحسينات “للنظر من طرف مجتمع عالمي من المراجعين والمحررين والمصححين المطلعين ” و هدفه على المدى الطويل أن يصبح “جهاز المخابرات الأكثر نفوذا في العالم”. و قد اعتبرت الادارة الاميركية هذا المشروع الذي يضم خبرة برادلي مانينغ – محلل استخبارات في العراق- كمؤامرة ببساطة.

الإطار النظري

تجدر الإشارة إلى نقطتين :
1. إعادة النظر في التقسيم المقدس / المدنس في أساس للدول. بنيت سلطة الدولة على قانون الاحتكارات كما شرحه نوربرت إلياس ، وبعبارة أخرى على مبدأ الاستبعاد. لكن تحدى كل من برادلي مانينغ و موقع ويكيليكس مباشرة الاحتكار الدبلوماسي بالتعدي على جميع المحظورات التي تتعلق بفضاء الدولة. ليس من المستغرب في هذه الظروف مضاعفة رؤساء الدول والحكومات تصريحات العداوة، وقرارهم تجريم الملف.
2. انتهاك قانون السرية. لا يمكن أن يزدهر الحوار والتفاوض بين الدول دون وجود جانب من السرية. و هكذا، منذ قرون ، تم اخفاء الاتصالات مع وكلاء الدول الاخرى والتعليمات التي يتلقونها من الممثلين السامين. كما يتم تشفير المستندات تلقائيا وفقا لنظام رموز معقد فيما يخص الرسائل الرسمية البسيطة أو الأكثر سرية. في هذه الحالة ، يمثل هذا القانون تقنية وشكلا من أشكال العمل السياسي الذي يعطي قيمة لمعلومات لم تكن بالضرورة ذات أهمية ما اذا أمكن الوصول إليها بأكثر بساطة. إن الممنوع يزيد من قيمة المعلومة ويحمي احتكار الدولة. و هكذا، يجب اعتبار السرية كسمة أساسية لامتلاك السلطة التي تعطي أصحابها امتيازا وتضعهم في موقف استثناء. وبعبارة أخرى، فقد انتهك برادلي مانينغ كل هذا النظام بكشفه للعالم بيانات تعتبر من أسرار الدولة.

تحليل

لأكثر من ثلاثة قرون، كانت تستند السياسة العالمية على نظام الدول ذات السيادة التي لا تعترف بأي سلطة فوقها. لأكثر من ثلاثة قرون، حلت هذه الدول صراعاتها عن طريق الحرب أو الدبلوماسية. ولكن مع نهاية الحرب الباردة شهدنا توزيعا جديدا للقوى في العالم، فانهار هذا النظام الهرمي الدولي الذي كان سائدا حتى الآن. منذ ذلك الحين لم تبقي الدول الأطراف الرئيسية بحيث ضعفت أنظمة تحالفاتها التي كانت تميز حتى الآن النظام الدولي. تدل قضية برادلي مانينغ / ويكيليكس في هذا الصدد على منافسة عالم الدول الآن من طرف عالم متعدد المراكز ومعقد متكون من جهات فاعلة غير حكومية. تظهر هذه “الجهات الفاعلة خارج السيادة” (روزنو Rosenau)، متنوعة جدا و أكثر استقلالا، وغالبا ما تتنافس مع بعضها البعض. باختصار، فإن هذه القوى الكامنة قادرة على الاستفادة من إعادة توزيع السلطة.
في هذا السياق ، فإننا نلاحظ أيضا أن عولمة المعلومات والثورة الرقمية لا تمثل فقط ثورة في التحرير والنموذج الاقتصادي للصحافة في العالم ، حيث أنها تساهم أيضا في تغيير عميق لهيكل الدولة. في الواقع، عُوضت المفاهيم الكلاسيكية، كالإقليم، السيادة، سلطة الدولة، واحتكار الدبلوماسية بظهور تضامن لأطراف متعدية الحدود و غير الحكومية. الآن ، يجب أن تتعامل الدولة مع جميع الجهات الفاعلة الغير الحكومية كالصحافيين والجمعيات والجماعات الغير رسمية الناتجة من الشبكات الاجتماعية، وحتى الأفراد المتخصصينskillful individuals مثل مانينغ، الذين باسم مفهوم للديمقراطية والمواطنة الإلكترونية والحرية أو حتى لإبراز براعة “غيك geek” في استعمال الكمبيوتر، يستخدمون شبكة الإنترنت للدفاع عن قضيتهم ومحاولة الحفاظ على أي حق مراقبة على للدولة.

المراجع

Elias Norbert, La Dynamique de l’Occident, trad., Paris, 1975
http://www.guardian.co.uk/world/blog/2010/dec/03/julian-assange-wikileaks http://www.wikileaks.ch/
http://www.cbsnews.com/8301-504803_162-20029950-10391709.html?tag=contentMain;contentBody
Rosenau James N., Turbulence in World Politics: a Theory of Change and Continuity, Princeton, Princeton University Press, 1990
Simmel Georg, Secret et sociétés secrètes, [1908], trad., Paris, Circé, 1991
Strayer Joseph, Les Origines médiévales de l’État moderne, trad., Paris, Payot, 1979

PAC 50 – انتصار الطريقة الأمريكية في الحياة فشل السيارة الهندية، نانو

مقال: الكسندر بوهاس Alexandre Bohas

ترجمة: بن براح مصطفى Benberrah Moustafa

Passage au crible n°50

أعلنت وسائل الاعلام الغربية مشيدة على سيارة نانو في مارس 2009 كسيارة العالم الناشئ في حين انتقاد آخرين للتلوث الناتج في حالة ادخالها الى السوق. ومع ذلك، اتفق الجميع على القول انها ستمثل للبلدان الصناعية الجديدة مرادفة سيارة فورد – طراز تي T في فترة العشرينات. لكنها من الواضح لم تحصل على النجاح المتوقع.

نبذة تاريخية
الإطار النظري
تحليل
المراجع

نبذة تاريخية

مثل بقية الاقتصاد، تشهد صناعة السيارات الهندية نموا هائلا مع أكثر من 2 مليون سيارة تنتجها وذلك بهدف تجاوز 3 ملايين بحلول نهاية عام 2016. يبقى ماروتي سوزوكي الطرف الرئيسي باحتكاره 45٪ من حصة السوق في حين أن شركة تاتا – رغم أنها عملاقة في الوزن الثقيل – ينتج 12٪ فقط. عدد المشترين المحتملين لا يحصى حيث يقارب 81 مليون أسرة من ذوي الدخل الذي يتعدى 75000 روبية سنويا. نظرا للنمو المتواصل لقدرتهم الشرائية، فإنهم يطمحون إلى الانضمام إلى المجتمع الاستهلاكي. بالإضافة إلى ذلك، تباع 13 مليون دراجة نارية في السنة. وكثيرا ما تستخدم كوسيلة لتنقل عائلة، بيد أنه ينبغي أن تحل محلها تدريجيا السيارات.
في هذا السياق، فإن تسويق سيارة نانو يلبي توقعات الهنود الأغنياء. في الواقع، بعد اقتراحها في تلك الفترة بسعر 100.000 روبية (1.700 يورو)، اعتمدت مجموعة تاتا هذا النموذج بتكلفة منخفضة للفوز بمكان بارز في هذا القطاع ، وخلع وماروتي سوزوكي من الصدارة. مع تحديد هدف طموح يتمثل في 15000 من المبيعات في الشهر، جهزت الشركة نفسها بطاقة إنتاجية تصل إلى 20.000 وحدة شهريا. كما اعتمدت الشركة أيضا استراتيجية لتوزيع منهجي لأنها أرادت توزيع هذه السيارة في المناطق الريفية النائية أين تبقى الدراجة وسيلة النقل الأكثر استخداما. لكنها أمام انخفاض في الطلبيات – تم التوصل الى أدنى مستوى في نوفمبر 2010 مع 509 فقط من المبيعات – خفضت الشركة هامش انتاجها لدعم نقاط بيعها. ثم مددت الضمان من 18 إلى 60 شهرا، وقدمت محركا أكثر كفاءة والمزيد من الخيارات والامتيازات من دون التوصل الى مستوى مرض من المبيعات. في الواقع، مع استثناء شهر أبريل 2011، لم يتم على الاطلاق تحقيق الأهداف. على الرغم من 1) أخطاء في الاتصال والتسويق، 2) النكسات الصناعية الناجمة عن وضع غير صحيح لموقع الإنتاج و3) النقص في الأشهر الأولى، هناك أسباب أكثر عمقا لنقص المبيعات.

الإطار النظري

.1 هيكلة اجتماعية وثقافية للأسواق. إن الأسواق ليست نتيجة لتعديل بين العرض والطلب فقط كما ينادي به من في كثير من الأحيان بعض المحللون. حيث يظهر هذا التعديل في نواح كثيرة منظمة اجتماعيا وثقافيا. في البداية، تظهر في نطاق مجتمع وظرف خاصَيْن. و من ثَم، و بشكل حاسم، يبقى عملها مرتبطا بشدة بالتمثيلات الرمزية والثقافية التي تحدد رغبة من المشترين، وقيمة السلعة.
.2 طابع الهيمنة لنمط الحياة الغربية. إذا تم ربط الهيمنة في كثير من الأحيان مع التفوق العسكري للدولة، لا بد من أخذ بعين الاعتبار أيضا الهيمنة الاجتماعية والثقافية للجماعات المتعدية الحدود الوطنية.

تحليل

ركز المختصون بسرعة على دور البعد الثقافي في فشل سيارة نانو. في الواقع، أرادت مجموعة تاتا استقطاب الطبقات المتوسطة في الهند الذين يرغبون في شراء سيارة. للقيام بذلك، قدمت عرضا بسعر جد تنافسي. لكن، في حين أصبحت هذه النقطة حجة البيع الرئيسية، فقد شوه ربط الملكية بالفقراء صورة السيارة ومصداقيتها للمشترين المحتملين. يتضح هذا من الأسماء التي أطلقت عليها مثل “سيارة الشعب” في الهند، أو ” سيارة الأجرة (التاكسي)” في سريلانكا، حيث اكتسبها العديد من الممارسين لهذه المهنة . ومع ذلك، لا تزال ترتبط هذه السيارة بالمكانة الاجتماعية، ممثلة بذلك إشارة واضحة على النجاح الاجتماعي، و على مجموعة من القيم، ” على امتداد للسلطة … [و] منتج الأنا “على حد تعبير إريك فروم. في هذا الصدد، قارن بعض المعلقين في كثير من الأحيان سيارة نانو بنموذج فورد تي، و هذا ما يتجاهل الرموز الجماعية للحرية، للترفيه، و للحداثة التي جسدتها السيارة الأمريكية. في الواقع، ينجح المصنعون الغربيون بفضل هذا الجانب الرمزي. حيث يستندون على استخدام أحدث التكنولوجيا، العلامات التجارية الممتازة، بيئة داخلية فخمة وخطوط مبتكرة. هذه الخصائص تعبر عما لاحظه رولان بارت عبر سيارة سيتروين دي أس، حيث تحدث عن إبداعات ” مستهلكَة في صورتها، أو في استخدامها من قبل جميع السكان الذين يعتبرونها شيئا سحريا “. كما حللها بيتر ويلز ، لقد مثلت سيارة نانو تحديا حقيقيا للقطاع الغربي من خلال الترويج لنموذج الأعمال التجارية يركز على الجانب الوظيفي.
ومع ذلك، يريد العملاء التخلي عن النموذج الأساسي، الذي لم يمثل سوى 20٪ من المبيعات. حيث أنهم فضلوا الأكثر تكلفة بنسبة 38٪. نذكر في هذا الصدد أنها غالبا ما تمثل السيارة الثانية من المنزل. في الهند، تشير أنماط شراء الطبقات الوسطى إلى قربهم من أسلوب الحياة الأميركية. فتحاول هذه الطبقة التميُز عن الطبقة البرجوازية، مع الاعتراف ضمنيا بقدرة الشركات الأوروبية والأمريكية على تحديد المرجعية الثقافية الشرعية. وأخيرا، فهي لا تقوم إلا بمجرد تقليد للممارسات المستوردة.
في النهاية، يتم تسليط الضوء على الفجوة بين الشمال والجنوب. في ما يسمى بدول الشمال، تعتبر الآن السيارة ضارة ومسببة للتلوث، وتافهة، فهي وسيلة من وسائل النقل فقط. ولتوضيح ذلك، خلقت سيارة لوغان داسيا المصممة أساسا لأوروبا الشرقية ضجة بعد أن بيعت بشكل جيد في البلدان الغربية مثل فرنسا حيث شهد التشارك في المواصلات وأنظمة سيارة الخدمة الذاتية ي نموا سريعا. من جهة أخرى، إذا تمكنت سيارة نانو الوصول إلى الأسواق الأوروبية مثلما تطمح، سوف تحقق نجاح أكبر من الهند على عكس كل التوقعات.

المراجع

Cox Robert, Sinclair Timothy, Approaches to World Order, Cambridge, Cambridge University Press, 1996
Almeida Jeewan, Jony Sandeep, Chandran Nikhil, Purushotham Keerthi, Gupta Ashish, « Auto-Economics : The Tata Nano », Deakin Papers on International Business Economics, July 2010, pp. 26-32
Baggonkar Swaraj, « Big Sales Problem with Tata’s Small Car », Business Standard Monitoring, 15 Aug 2011
Barthes Roland, Mythologies, Paris, Seuil, 1957
Becker-Ritterspach Florian, Becker-Ritterspach Jutta, « The Development of India’s Small Car Path », Management Online Review, April 2009, pp. 1-10
Fromm Erich, Avoir ou être ? Un choix dont dépend l’avenir de l’homme, Paris, Editions R. Laffont, 1978.
Gramsci Antonio, Cahiers de prison, Paris, Gallimard, 1996
« Stuck in Low Gear », The Economist, 20 Aug. 2010
Pooshan Upadhyay, Keertiman Sharma, « A Study on Consumer Perceptions & Expectations for TataNano », Adhyayan : A Management Journal, 25 Feb 2011, pp. 21-25
Thomas White International, « Automobile Sector in India : Fast Growth », BRIC Spotlight Report, Oct. 2010, pp. 1-11
Thottan Jyoti, « The Little Car That Couldn’t », Time, 14 Oct. 2011, pp. 39-41
Wells Peter, « The Tata Nano, the Global ‘Value’ Segment and the Implications for the Traditional Automative Industry Regions », Cambridge Journal of Regions, 1st April 2010, pp. 1-15
Zelizer Viviana, Pricing the Priceless Child : The Changing Social Value of Children, Princeton, Princeton University Press, 1985

PAC 49 – تشكل فضاء عابر للقارات من السخط اليوم العالمي 15 أكتوبر 2011

Clément Paule مقال: كليمون بول

ترجمة : ليديا علي Lydia Aly

Passage au crible n°49

بعد مرور خمسة أشهر من ظهور حركة 15 مايو (15- M)، يشهد نجاح اليوم العالمي للسخط على ترسيخ فضاء جديد عابر للقارات للحركات الاجتماعية. وقد جمع هذا الحدث والذي تم تنظيمه في 15 أكتوبر 2011 ، ما يقرب من مليون متظاهر احتجوا في أكثر من 950 مدينة. على الرغم من هذا، لم تعرف الثمانين دولة المعنية نفس درجة الاحتجاج: ففي حين تركز الجزء الأكبر من المشاركين في الدول الأوروبية – خاصة إسبانيا وإيطاليا- ودول أمريكا الشمالية، بقيت المدن الأفريقية والآسيوية منسحبة من الديناميكية. وعلى الرغم من هذه الاختلافات، فيشهد هذا التنسيق الناجح على حيوية هذه الحركات والتي تجيب على النداء الدولي: كلنا متحدون من أجل تغيير شامل. هذا الشعار يذكرنا بشعارات الحركة المناهضة للعولمة والتي تظاهر إلى جانبها مجموعة من الساخطين ضد قمة مجموعة العشرين التي عقدت في كان أيام 3 و4 نوفمبر 2011. مما لاشك فيه، فإن تلك الانتصارات الظاهرة لا يجب أن تحجب الصعوبات التي يسببها قمع الشرطة- مثل ما حدث أثناء فض احتجاجات وول ستريت (occupy wall street)- أو المعضلات التنظيمية. بيد أن تلك المبادرات المواطنة تظل دليلا على تماسك معين، تعبر عنه استخدام الشعارات – سخط، احتلال- وممارسات مشابهة.

نبذة تاريخية
الإطار النظري
تحليل
المراجع

نبذة تاريخية

في المقام الأول، نؤكد أن يوم 15 أكتوبر 2011 يأتي ضمن حركة تاريخية متميزة للحركات الاجتماعية ذات طابع عابر للقارات. نذكر أن يوم 15 فبراير 2003 والذي شهد مظاهرات ضد الحرب في العراق قد تجمع فيه عدة ملايين من الأشخاص في حوالي ستين دولة. لدى العديد من المعلقين، فان التزامن الجديد لمجموعات سلمية على المستوى العالمي يشير إلى ظهور فاعل جديد: الرأي العام العالمي. و رغم انتقاد بشدة هذه الفكرة لاحقا، فإن ظهور الحركة المناهضة للعولمة – المكرسة في تجمع سياتل في 1999 والتنظيم الدوري للمنتدى الاجتماعي العالمي منذ 2001- يمكن اعتباره مؤشرا على عملية من العبور الوطني لمنظمات المجتمع المدني. بيد أن عدم تجانس هذا التمرد وعلاقته غير الواضحة بالسياسة- والتي يدل عليها الجدل المتكرر حول شكل المنتدى الاجتماعي العالمي- تساهم في الحد من تماسك هذا الفضاء والذي يوصف دائما بعدم الوضوح.
فيما يتعلق بالسخط، فانه باتجاه تاريخي يتميز بسرعة انتشاره في سياقات محلية مختلفة. من الأمثلة الأولى، نذكر بعض الأعمال الجماعية التي تم تطبيقها في نهاية عام 2010، بدءا من الثورات العربية وحركة Estamos hasta la madre في المكسيك أو الشعب البنفسجي -Il Poplo Viola- في إيطاليا. هناك علامات كثيرة أنبأت عن قفزة أولية للسخط لرفض تعميم خطط التقشف والنتائج الاجتماعية والاقتصادية للأزمة. وفي أعقاب المرحلة التأسيسية المكرسة في حركة 15 (15-M) في اسبانيا، تعرضت العديد من الدول لحركات احتجاجية من اليونان إلى إيطاليا مرورا بإسرائيل، سويسرا، أو البرتغال وبدرجة أقل فرنسا. في هذا السياق، نلاحظ امتداد هذه الحركة إلى مدن في أمريكا الشمالية من خلال الترويج العام لمفهوم ” احتل” Occupy من خلال نداء احتلال وول ستريت والذي أطلق منذ منتصف سبتمبر 2011. ان النجاح التلقائي لهذه المبادرات بالإضافة إلى نداء 15 أكتوبر ساهموا في مرحلة ثانية من الدوران في كل القارات: نذكر أمثلة أوكلاند، سول أو برلين. في النهاية، نلاحظ العلاقة القريبة الموجودة مع عدد من الصراعات الاجتماعية الظاهرة بوضوح كما هو الحال بالنسبة ل Y en a marre السنغالية، مظاهرات ضد الفساد في البرازيل، احتجاجات الطلبة في شيلي أو No- cuts! البريطانية.

الإطار النظري

.1التنسيقات المحلية والتداخل الشامل. ان التدويل السريع للحركة أدى إلى اعتبار اليات نشرها والتي تعبر عن صراعات متمركزة في الأطر الوطنية كنقد أبعد من سياسي للنظام العالمي. وهو ما يدعونا إلى تحليل العلاقات المتناقضة بين السخط والمناهضة للعولمة، حيث تصعب التفرقة بين هذين الفضاءين.
.2جماعة خيالية من المعترضين. هذا المفهوم- المقترح من بينيديكت اندرسون خلال بحثه الأساسي حول ظهور القومية- تظهر فائدته من أجل توضيح الاتصالات الرمزية بين المحتجين.
في الواقع، إن هؤلاء لا يتشاركون فقط في نفس مرجعية العمل المتشابهة – والتي تعتمد على الشبكات الاجتماعية والاحتلال السلمي للفضاءات العامة، الديمقراطية التداولية- بل وأيضا التمثيل المشترك.

تحليل

باديء ذي بدء ، يبدو أن التحليل من خلال الانتقال غير كاف من أجل فهم ديناميكية عبور القارات والتي بدأت منذ مايو 2011. عن طريق الربط بين الاحتجاج والأزمة المالية، فإن هذا المنهج يهمل استراتيجيات الفاعلين وعملهم من أجل تمثيل ذاتهم (كوفمان). ولعل الاخفاقات المتكررة للساخطين الفرنسيين، على الرغم من إقرار خطة تقشف قاسية تعد مثالا مضادا. كما لعبت شبكات التواصل الإجتماعي والأدوات الرقمية قد لعبت دورا هاما- بسبب انخفاض تكاليف الإتصالات- فانه يجب عدم المبالغة في تقييم تأثيرهم من وجهة نظر تقنية ضيقة. من ناحية، فقد تمت إدارة جزء منعملية التصدير من قبل المناضلين:و هكذا أعلنت Democracia Real Ya في مايو 2011 أن 15 أكتوبر هو اليوم العالمي. من ناحية أخرى، فانه لا يمكن انكار تأثير التتبع والذي نتج عن انضمام المدن الأمريكية بصورة رمزية وغير متوقعة. في عذا السياق، فإن التطورات المحلية وموازين القوى خاصة في أعقاب استقالة سيلفيو بيرلسكوني ساهمت في تقوية هذه الظاهرة. كما أن الدعم العام من جانب المثقفين مثل الحائز على جائزة نوبل جوزيف ستيقليتز Joseph Stiglitz أو أيضا ناومي كلاين Naomi Klein أدت إلى تقوية شرعية ومصداقية فضاء السخط.
في الواقع، فإن ظهور هذه الجماعة من المعترضين أكدت وجودها من خلال تكتيكاتها في التميز إزاء الأحزاب السياسية والنقابات ووسائل الإعلام. في المقابل، فهي تعد امتدادا للحركة المناهضة للعولمة. حيث لم يقم فقط الساخطون باعتماد بعض أعضائهم منها، ولكن أيضا استعاروا منها خبرات محددة، خاصة فيما يتعلق بطرق التعبير الديمقراطية. هذا وقد قاموا بإعادة ترجمة هذه الإضافات في صورة قواعد أساسية للإعتراض عن طريق تطبيق هذه التقنيات في صورة احتلال رمزي للأماكن. وفي ظل عدم رضاء الساخطين على النموذج التنظيمي المتبع من سابقيهم، تجنب الساخطون مسألة المؤسسية – وتأثيراتها المنحرفة والتي يمكن أن تكون في شكل سلطة عمودية أو شخصنة لها- عن طريق اليات مشاركة تركز على أفقية الأشخاص. في هذا السياق، يبدو كل من حركتي السخط وتلك المناهضة للعولمة كأنهما فضاءين مختلفين من الاعتراض كل منهم مستقل عن الاخر، بيد أنهم أيضا متنافستين ومكملتان بعضهما البعض من خلال تمرير الأفراد واليات العمل التي توحدهما.
من هنا، من المهم تحليل بعض نتائج هذا الوضع الفريد، خاصة في هذه الحالة من تنوع المجالين السياسي والإعلامي في مواجهة مصطلحات اعتراضية التي لا يسيطرون عليها، مع غياب قيادة واضحة. في هذه الحالة، فان السلطات تتذبذب بين القمع العنيف- مثلما حدث في إخلاء أوكلاند- ومحاولات الاستعادة والتي بدت حتى الان غير مجدية. في نفس الوقت، يشجب الساخطون غياب المعالجة الكافية والتي تبدو كاريكاتورية لمشكلاتهم: يٌتهم العاملين في مجال الإعلام بالتقليل من شأن هذه الإحتجاجات وإبقائها في صورة حركة ذات تنظيم سياسي ومتسلسلة، مع إهمال أهمية الحركات الصغيرة. من هنا، جاء خلق قنوات معلومات بديلة من جانب المحتجين، مما ساهم في ترسيخ فضاء من القيم المشتركة. وبدون الحكم مسبقا على استدامة هذه الهوية من عدمها، نوضح طابعها الديناميكي والمركب والذي يتم التعبير عنه من خلال بث شعارات موحدة مثل شعار99% أو الديمقراطية الحقيقية démocratie la réelle. حاليا، تواجه حركة السخط العالمية تكثيف الإتصالات العابرة للقارات، والتي يبدو أنها تأخذ شكل جماعة خيالية تتعدى حدود الدول.

المراجع

Anderson Benedict, Imagined Communities: Reflections on the Origin and Spread of Nationalism, 1983; L’imaginaire national: réflexions sur l’origine et l’essor du nationalisme, Paris, La Découverte, 1996
La Vie des idées, « Débats autour du 15M. Républicanisme, démocratie et participation politique », 20 sept. 2011, à l’adresse web : http://www.laviedesidees.fr/Debats-autour-du-15M.html, 21 novembre 2011
Paule Clément, « La structuration politique de l’indignation. Le mouvement transnational des indignés », Passage au crible (45), 27 juillet 2011

PAC 48 – من الحرب العادلة إلى السلام العادل موت معمر القذافي، 20 أكتوبر 2011

مقال : جون جاك روش Jean-Jacques Roche

ترجمة: ليديا علي Lydia Aly

Passage au crible n°48

أعلن المجلس الوطني الانتقالي ان الزعيم الليبي السابق معمر القذافي والذي قتل في 20 أكتوبر 2011، قد دفن يوم الثلاثاء في مكان سري بالصحراء الليبية. وقد وارى ابنه معتصم الثري أيضا وذلك خلال نفس مراسم الجنازة.

نبذة تاريخية
الإطار النظري
تحليل
المراجع

نبذة تاريخية

على الرغم من حصوله على جائزة “ساكاروف”، لا يبدو الربيع العربي فقط كنتيجة لمظاهرات سلمية، حيث كان هذا هو الوضع قطعا في حالتي تونس ومصر، حيث رحل الرئيس تحت ضغط الشارع، إلا ان اللجوء للقوة كان ضروريا من أجل تحرير ليبيا من حكم طاغ استمر اربعون عاما.
تأخذ هذه الانتفاضات ابعادا مختلفة، حين يتسبب قمع متزايد في تدخل بدعوى مسؤولية الحماية. إن واجب التدخل، والذي كان ممارسا من ذي قبل من جانب المنظمات غير الحكومية، يجب ان يستند على قوات مسلحة والتي تلتزم باسم “القضايا العادلة” باالدخول من جديد في حروب عادلة والتي لا تستطيع بالضرورة انهائها بسبب التوقعات حول ماهية أو تعريف السلام العادل.

الإطار النظري

إن التساؤل ليس بجديد وساهم في تعزيز الجدل منذ سيسيرون Ciceron أو توما الأقويني Thomas d’Aquin. وقد تجدد حاليا الشقاق بين الواقعيين والليبراليين في مجال نظريات العلاقات الدولية، حيث أصبح بمثابة حجة نمطية، أو كلاسيكية يمكن تقسيمها وفقا لمحورين.
1. يتخذ الواقعيين صف المعارضين لقتل المستبد وذلك لسببين. يذكرون في البداية أن “الكتب الست للجمهورية” Les Six livres de la République لبودان Bodin تم نشرها بعد أربعة أعوام من سانت بارتيليمي La Saint- Barthelemy. وقد أكدوا كذلك أن الدولة تظل الأداة الأساسية لتحقيق السلم في أي مجتمع مدني بطبيعته عنيف. وحين يتفاعل عنف النظام المستبد مع عوامل الانقسامات الداخلية فان كل فرص تفكك الدولة تجتمع وذلك لأن الدولة هي الوحيدة القادرة على “الحيلولة دون انفجار العداء في صورة عاطفة مطلقة وعنف من دون حدود”، وفقا لتعبير ارون Aron. ثانيا، فإنه لا يتعين على الدول التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض. بل على العكس من ذلك فان السلم والأمن الدوليين يحفظان وفقا لميثاق الأمم المتحدة عن طريق تنمية علاقات الصداقة والسلام بين الدول الأعضاء والقائمة على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد. إن التذكير بهذا الأمر في ميثاق الاسيان عام 2007 ليشهد على استمرار العمل بهذه القاعدة.
2. بالنسبة لليبراليين والذين يدافعوا عن مبدأ حق النظر في الشؤون الداخلية للدول وذلك لسببين. أولا، لأن الحاكم المستبد لم يعد الممثل القانوني للمواطنين، حيث لا تستقيم ولايته. من هنا فإن التخلص من المستبد لم يعد بالضرورة اخلالا بالميثاق الاجتماعي وذلك لأن هذا الميثاق قد سبق نظيره السياسي. بعبارة أخرى، فان المصادر الحقيقية للقانون تكمن بطبيعتها في الهياكل الإجتماعية (العائللات، العشائر، القبائل) وتسبق ظهور القوة العامة: لذا، فان المستبد لا يمكن أن يظل ينصب نفسه كحامي لهذا المصدر الوحيد للقانون. ثانيا، ينادي الليبراليون بمبدأ مسؤولية الحماية والذي يفرض على كل الفاعلين في حالة فشل سيادة الدولة اتمام هذه المهمة. على اعتبار ان السيادة مشروطة، حيث ان السلطات التي تخلقها تنبع من قدرتها على حماية المواطنين، فإن هؤلاء يجدون حقهم الطبيعي في ممارسة العدالة في حالة فشل الدولة القيام بمهمتها، الليبراليين يساندون المجتمع المدني في مواجهة الدولة، خاصة في حالة ما إذا كانت الدولة قمعية أو ببساطة حين تبدو غير مؤهلة للإجابة على تحديات عابرة لحدودها تتخطى قدرتها.

تحليل

إن ظهور المجتمعات المدنية في الساحة الداخلية للدول وهو ما يعطل الأطر التقليدية ويفرض إعادة التفكير في اليات تحقيق السلام الدولي في إطار الصراعات بين الدول والتي أصبحت حاليا تتخذ ابعادا دولية. هذا على الرغم من اتفاق بعض الدول على التدخل باسم الحرب العادلة، دون توقع فشل تلك العمليات ومن ثم تفضيل فكرة السلام العادل.
إن تفكيك الدول القمعية والتي فرضت حتى الان نوعا من الوحدة وضعف مصداقية الأطر المستوردة، أدى إلى صعوبة تصور اعادة بناء سريع لدولة القانون من قبل من بدأوها، وذلك على الرغم من امكانية تنظيم الانتخابات سريعا، بيد أن عملية التسييس المبذولة حول الجماعات الإثنية والدينية من شأنها تكريس، على أفضل الأحوال، المجمعو الأكثر قوة على حساب الأقليات التي سوف تسارع بدورها بالاعتراض على حكم الصناديق. في حالة الحرب الأهلية المعلنة أو المارقة، فان تنظيم الانتخابات العامة ليس بالضرورة ضامنا للسلام. في بعض الأحيان قد يساهم منظور تشاور انتخابي، أو استفتاء انتخابي في انطلاق مواجهات وهو ما حدث في الكونغو برازافيل في 1997. هذا على الرغم مما قد يبديه بعض المراقبين الدوليين من رضا عام على العملية الإنتخابية، هناك تخوف من الحكام الجدد، والذين لا يتمتعون بالخبرة الكافية بعد عشرات السنين من إقصائهم، من ظهورهم على الساحة الدولية أو انسياقهم للفساد. في الحالتين، فغالبا ما يقوم المعارضون ينبذ السيطرة الأجنبية أو فساد الحكام الجدد وهو ما يبرر استئناف القتال. وفي حالة ما إذا تم القضاء على كافة هياكل النظام السابق، كما هو الحال في العراق، فان المحتجين سيكون أمامهم الوقت الكافي للحصول على الإمدادات من الترسانات التي لم يتم تأمينها من قبل قوات الاحتلال وسيقومون بتلقي تدريبات على يد العسكريين القدامى وذلك لتحدي قوات الإحتلال عن طريق حرب العصابات. قوات الإحتلال تلك ستشعر بعدم الراحة أمام هذا النوع من القتال، حيث فشلت كل محاولات تأقلمهما مع الحروب الثورية، والصراعات ذات الوتيرة الضعيفة وذات التبادل غير المتناسب أو لمكافحة العصيان ، اصطدمت بالصعوبات القانونية في حين يدعي أعدائهم الدونية العددية والمادية لتجاهل هذه القواعد. في الواقع، فإنه من الصعب مواجهة عصابات ماو ” المندمجين بين السكان أو الشعب مثل سمك في المياه ” مقارنة بتدمير مخزن أسلحة قابع تحت أحد المدارس أو ابادة قاعدة عسكرية فوق سطح مستشفى. الدليل التفسيري للجنة الدولية للصليب الأحمر لعام 2009 تناول مسألة المشاركة المباشرة في العمليات العدائية والتي تبدو غير مناسبة للقضاء على عضو في حركة طالبان يقضي تسعة أشعر من 12 شهرا في زراعة أراضيه بصورة سلمية ولا قرصان الكتروني يستطيع التدخل في أنظمة المراقبة والإتصال على بعد الاف الكيلومترات.
إن هشاشة الأطر الجديدة القادمة من الفساد وانتشار السلاح والقدرة على إلحاق الضرر بأقليات محددة تمثل عوامل تحول بصورة جذرية الخروج من الأزمة. في الواقع فإن هذه الأزمة أخذت شكل امتحان قوة مفروض من قبل المنهزمين تجاه الدول التي ظنت انها انتصرت بسهولة مبررة انها قامت بحرب عادلة. مع ذلك، فقد بدى هؤلاء غير قادرين على التفاوض على سلام عادل يسمح بالخروج من المأزق.

المراجع

Allan Pierre, Keller Alexis, What is Just Peace, Oxford, Oxford University Press, 2006
Badie Bertrand, Un Monde sans Souveraineté, les États entre Ruse et Responsabilité, Paris, Fayard, 1999
Commission Internationale de l’Intervention et de la souveraineté, 2001, http://www.iciss.ca
Kaldor Mary, Global Civil Society: An Answer to War, Wiley-Blackwell, 2003

PAC 47 – العجز في الحوكمة الاقتصادية داخل منطقة اليورو أزمة الديون السيادية في اليونان

مقال : انرديه كاربانيس André Cartapanis
ترجمة: ليديا علي Lydia Aly

Passage au crible n°47

إن أزمة الديون السيادية اليونانية لن تنتهي سريعا. فهناك حالة من الغموض تسيطر على حجم الخصم المقرر ان يقع على أصحابها والذي أصبح ضروريا الآن. ان موافقة البوندستاج حاليا على الخطة الجديدة لدعم اليونان والتي تنص على وعد بتقديم منحة لها تصل إلى 109 مليار يورو تضمن استمرار تسوية الحسابات العامة من قبل الدولة اليونانية. إلا أن حجم تصحيح الموازنة الجاري حاليا والذي يصل إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي خلال عامين، إضافة إلى صعوبة السياسة المتبعة في تخفيض الأجور، سببا حالة من الركود غير مسبوقة منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 4.4% في عام 2010 وبمعدل 5% في عام 2011.

نبذة تاريخية
الإطار النظري
تحليل
المراجع

نبذة تاريخية

بعد فترة قليلة من فوز حزب “الحركة الاشتراكية الهيلينية” (الباسوك) خلال انتخابات أكتوبر 2009، أعلن وزير المالية اليوناني عن مراجعة أرقام عجز الموازنة. وقد كان متوقعا في بداية العام أن يصل العجز إلى 3.7% بينما كان الواقع أن وصل الرقم إلى 12.5% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد تمت مراجعة هذه الأرقام عدة مرات حتى سجل عجز الموازنة رقما قياسيا وصل إلى 15.5% في 2009. ومن هنا تبدو نقطة بداية أزمة الديون السيادية في اليونان.
ومنذ هذه الفترة، يخشى المستثمرون الدوليون عدم حصولهم على سداد مستحقاتهم، حيث تشترط الأسواق المالية علاوات مخاطر بقيمة عالية مقابل استمرارها في شراء الدين اليوناني، في حين ساهمت وكالات التصنيف من جانبها في الإبقاء على حالة الذعر عن طريق تخفيض درجة تقييم اليونان على مستوى الأسواق، كذلك الحال أيضا بالنسبة لأسبانيا وإيطاليا.
منذ خريف 2009، أدى تتابع مراحل الأزمات الشديدة إلى سواد انطباع عام حول عدم القدرة على السداد، وهو ما بدا واضحا خاصة في ربيع 2010 وأغسطس- سبتمبر 2011، بيد أن تلك الأزمات تخللها فترات سماح وذلك بسبب مماطلة مختلف الدول الأوروبية الأخرى في السداد. بالتوازي، ومنذ نهاية عام 2009 واستعادة النمو العالمي حتى ولو بمعدلات متواضعة، أدى ذلك إلى تفضيل دول منطقة اليورو إلى خفض العجز العام للحيلولة دون تعرضها إلى حالة من عدم الثقة في مواجهة وكالات التصنيف والأسواق المالية. وقد نتج عن ذلك حالة من التباطؤ أدت إلى سواد حالة من الخوف من تكرار الركود ومن ثم أزمات جديدة بين البنوك الأوروبية خاصة تلك التي تمتلك نصيبا كبيرا من الدين العام اليوناني أو الأسباني أو الإيطالي. وبعبارة أخرى، فإن الأزمة اليونانية ترجع إلى ديناميكيات الاقتصاد الكلي التي أعقبت الأزمة المالية في أوروبا. كما أنها تمس أيضا آثار إصدار” اليورو” علما بأن الإتحاد المالي ادى إلى تعزيز الاختلافات داخل منطقة اليورو، حيث عانت دول الجنوب من غياب التوازن التجاري ومن ثم زيادة العجز في الموازنة على مدار الحقبة الأولى من الألفية الثالثة. وهكذا بدت اليونان قبل الأزمة ، حيث مثلت النموذج الأصلي لهذا الانحراف ومثال للعجز المالي بل وللأكاذيب أيضا فيما يتعلق بالإحصائيات.

الإطار النظري

نتائج الأزمات المصرفية. يوضح تاريخ الأزمات المالية أنه في اليوم التالي من الأزمات المصرفية تظهر لا محالة حالة من التضارب في النشاط الاقتصادي، إلا أن هذه الحالة تزن بقوة على المالية العامة من خلال قنوات مختلفة.1) انخفاض حاد في عائدات الضرائب. 2) زيادة تلقائية في المصاريف الاجتماعية والتي يزيد عليها تكلفة إنقاذ البنوك. 3)زيادة تقديرية في تقدير عجز الموازنة، أخذا في الاعتبار التقلبات الدورية على النشاط الاقتصادي. 4) زيادة في نسب الفائدة.
انتشار الأزمات المصرفية في أزمات الديون السيادية. أوضح هذا التوجه كل من “كامن رينهارات” Camen Reinhart و”كينيث روجوف” Kenneth Rogoff في كتابهما الأخير واللذان خصصاه لتاريخ الأزمات المالية على مدار الثمانية قرون الماضية، حيث أنه في المتوسط ومنذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، يرتفع الدين العام بمعدل 86% خلال الثلاث سنوات المتتالية يعقب هذا أزمة مصرفية طاحنة، بيد أن بعض من تلك الأزمات كان لها آثارا أكثر أهمية. في هذا الصدد، فان زيادة الدين اليوناني بين 2007 و 2010 بنسبة 105% من إجمالي الناتج المحلي إلى 142% يتوافق مع تدهور أقل بنسبة تصل إلى 35% تقريبا. مثال على ذلك، الأزمة المصرفية التي عصفت بفنلندا في 1991 انعكست في زيادة نسبة الدين العام إلى حوالي 280%. وقد انخفض الخصم في الموازنة العامة من +1% في 1990 إلى -10.8% في 1994. ونشاهد نفس الظاهرة في الأزمة المصرفية في السويد عام 1991، حيث تحول الفائض في الموازنة والذي وصل إلى 3.8% العام المنصرم إلى عجز وصل إلى 11.6% في 1993. هذا الميراث من الأزمة المصرفية النظامية يعد أكثر شدة من الدين العام والذي كان مرتفعا قبل الأزمة، وهو ما كان تحديدا حالة اليونان، حيث زاد عجز موازنتها من 10% في 2008 إلى 15% في 2009. يضاف إلى هذا إدارة كارثية للأزمة من قبل الدول أعضاء منطقة اليورو.

تحليل

منذ اندلاع الأزمة اليونانية بدت واضحة خصوصية أزمة الديون السيادية إذا ما أصابت دولة تنتمي لإتحاد نقدي وذلك من خلال عدة مؤشرات: 1) نظريا، هناك استحالة في المطالبة بتمويل إضافي من قبل البنك المركزي الأوروبي. 2) صعوبة اللجوء إلى صندوق النقد الدولي بسبب ما يفرضه من مشروطيات فيما يتعلق بسياسات الاقتصاد الكلي لبلد في النهاية تعد عضوا في منطقة اليورو. 3) المقاومة العميقة من قبل دول أخرى أعضاء في منطقة اليورو لسداد الديون السيادية بسبب مخاطر العدوى أو انتقال الأزمة فيما بين الدول الأعضاء بعضها البعض. 4) الاستحالة التامة للجوء لاستخدام سلاح معدلات الصرف وتخفيض قيمة العملة بهدف تخفيف تكلفة الانضباط المالي ومن ثم إعطاء دفعة قوية لحركة الصادرات. من هنا، يتعين على المؤسسات القائدة في مجال السياسات النقدية داخل الاتحاد الأوروبي مواجهة هذه الأزمة. وهو بالفعل ما قام به البنك المركزي الأوروبي تحت قيادة “جون كلود تريشيه” Jean- Claude Trichet وذلك من خلال تكييف آليات عمل البتك المركزي الأوروبي على الواقع اليوناني ومن ثم الشروع في شراء الدين اليوناني. وقد تم العمل بهذه السياسة ليس فقط من أجل تفادي تدهور الوضع، ولكن أيضا للحيلولة دون انخفاض سعر الدين العام في مواجهة المراهنات الدولية والتي من شأنها أن تتسبب في ارتفاع نسبة الفائدة على الدين العام اليوناني بصورة غير محتملة. على الجانب الاخر ، فيما يتعلق بالحكومات، فقد تم التمادي في المماطلة أو التحليل بصورة خاطئة، حيث تحرك هذه الدول في الأساس اعتبارات تتعلق بسياستها الخارجية أو لخيارات عقائدية وعلى رأس هذه الدول ألمانيا، حيث رفضت هذه الدول منح قروض إنقاذ لليونان متوقعين قدرة فائقة للاقتصاد اليوناني على التأقلم سريعا مع حساباتها العامة والتي انخفضت بصورة ملحوظة بسبب سياسة “انضباط” مالية. ، بل إن هذه الدول طالبت بإعادة هيكلة الدين اليوناني ليتدخل في هذا الأمر مستثمرون دوليون: ومن ثم فقد قللوا من شأن الآثار المنعكسة على السيولة بل والغطاء النقدي للبنوك الأوروبية أو المؤسسات المالية التي تمتلك أصول يونانية. مع ذلك، وافقت تلك الدول على حل الأزمة من خلال الموافقة على خطط للدعم فضلا عن تأييد إنشاء صندوق أوروبي للاستقرار المالي. هذا التحول قد جاء في أعقاب مواربات لا تنتهي والتي تفسر بدورها التحدي الذي تفرضه الأسواق ليس فقط فيما يتعلق بأزمة الديون اليونانية والأسبانية ولكن إزاء “اليورو” والتضامن بين البنوك في أوروبا. بالتوازي، فإن السياسات الخاصة بالموازنة فضلت منذ أواخر 2009 تخفيض حالات العجز، كما ساهمت هذه السياسات أيضا في إضعاف التنمية في قلب أوروبا كما في أطراف منطقة اليورو في أسبانيا وإيطاليا وخاصة في اليونان. ان أزمة الديون السيادية في اليونان قد تفاقمت وبالتالي فإن الركود أدي بدوره إلى انخفاض القدرة على السداد، والشارع لا يزال يصرخ في أثينا.

المراجع

Aglietta Michel, “La longue crise de l’Europe”, Le Monde, 18 mai 2010
Cartapanis André, “L’intégration inachevée de l’UEM. La crise de la zone euro”, Chaos International, PAC, (25), 12 juin 2010
Cohen Daniel, “La crise grecque. Leçons pour l’Europe”, Revue économique, 62 (3), mai 2011
Reinhart Carmen et Kenneth Rogoff, Cette fois, c’est différent. Huit siècles de folies financières, Paris, Pearson, 2010