PAC 76 – مالي، من الدعم إلى المشاركة الفخاخ الثلاثة لصراع غير متكافئ

مقال: جان جاك روش Jean-Jacques Roche

ترجمة: مصطفى بن براح Benberrah Moustafa

Passage au crible n°76

Pixabay

تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 15 تشرين الأول 2012 القرار 2071 بناء على طلب من السلطات المالية وبدعم من فرنسا التي ألحت على دول غرب أفريقيا لتطوير أساليب تدخل عسكري في شمال مالي، كما التزمت بالمشاركة “ماديا ولوجستيا”. استبعد الرئيس الفرنسي قبل ثلاثة أيام في داكار أي احتمال للتفاوض مع الجماعات المسلحة “التي تفرض قانونها – الشريعة – و تقطع الأيدي وتدمر معالما مندرجة في تراث الإنسانية؟ “

نبذة تاريخية
الإطار النظري
تحليل
المراجع

نبذة تاريخية

“إن أفريقيا هي آخر قارة لا تزال في متناول فرنسا، في نطاقها، القارة الوحيدة التي يمكن لفرنسا أن تغير مسار التاريخ فيها بثلاثمائة رجل.” يتم تداول هذا الاقتباس للويس دو غيرينغو Louis de Guiringaud، وزير الخارجية السابق -تحت رئاسة فاليري جيسكار ديستان Valery Giscard d’Estaing – بقدر مقولة أن “وقت فرنسا-أفريقيا France-Afrique قد ولى” (فرانسوا هولاند François Hollande ، خطاب داكار، 12 أكتوبر 2012). يجد فرانسوا هولاند نفسه مثل جميع أسلافه مضطرا لتأكيد نيته في وضع حد للممارسات التي تلت الاستعمار عند بداية عهدته، حيث ركز على القطع مع الماضي و بناء علاقات جديدة ولكن من دون تغيير الهدف الأساسي المتمثل في ضمان استمرارية الوجود الفرنسي في أفريقيا. تشبه هذه السياسة ما فعله فرانسوا ميتران François Mitterrand، الذي أقال في أواخر عام 1982 وزير التعاون المسؤول عن تطبيق هذه القطيعة (جان بيير كوت Jean-Pierre Cot). ترتبط في الواقع “الرغبة في تجديد الشراكة بين فرنسا وأفريقيا” (خطاب داكار، 12 أكتوبر 2012) مع التأكيد على أن “فرنسا لن تكون تماما نفسها في عيون العالم اذا تخلت عن وجودها في أفريقيا ” (ميتران، مؤتمر رؤساء دول أفريقيا وفرنساالثامن عشر، 8 تشرين الثاني 1994). رغم تغير شكل التواجد الفرنسي في القارة و انتهاء اتفاقات الدفاع السرية، لا تزال فرنسا تعتبر أنها حافظ سلام الدول التي كانت مستوطناتها في الماضي، حيث تورط كل رؤساء الجمهورية الخامسة في تدخلين أو ثلاثة تدخلات مسلحة على الأقل في أراضي الاتحاد الفرنسي السابق. ومع ذلك نلاحظ أن فرانسوا هولاند كان أسرع من أسلافه في السماح بالتدخل في أفريقيا. حيث نظم فاليري جيسكار ديستان على سبيل المثال عملية خروف البحر – l’opération Lamentin- في موريتانيا عام 1977، ثلاث سنوات بعد وصوله إلى السلطة. أما فرانسوا ميتران، فقد تدخل للمرة الأولى في تشاد أكثر من عامين بعد دخوله الإليزيه (عملية مانتا -Manta – أغسطس 1983). من جانبه، أذن جاك شيراك بعملية أراميس -Aramis – في الكاميرون خلال شهر فبراير 1996، بعد تسعة اشهر من انتخابه. وأخيرا، قرر نيكولا ساركوزي التدخل في معركة نجامينا في فبراير 2008 (تسعة أشهر أيضا بعد انتخابه) من أجل دعم نظام ادريس ديبي و تنظيم إجلاء الرعايا الأوروبيين من العاصمة التشادية.

الإطار النظري

على الرغم من استبعاد تورط الجنود الفرنسيين في هذه العملية – مما يدفعنا للتساؤل عن نوع الدعم اللوجستي المقدم؟ – يبقى السؤال عما إذا كان من الممكن دخول فرنسا في حرب محدودة بينما يخوض خصومها حربا شاملة. وبعبارة أخرى، هل تم تجاوز نهج كلاوزفيتسClausewitz للحرب الشاملة؟ لم يظهر التشكيك في الحرب الكلاوزفيتسية خلال السنوات التي تلت الحرب الباردة. يكفي للإقتناع بهذه الفكرة العودة إلى مناقشات الستينات و السبعينات حول أثر الطاقة النووية في الوقت الذي استبعد فيه مذهب مالنكوف Malenkov إمكانية اللجوء إلى الحرب بين ممتلكي السلاح النووي. يمكن أن نتساءل خلال تلك المرحلة عن ما إذا كانت المخاطر المفاهيمية “للتوجه نحو تطرف” لم تنفي الإطار الكلوزفيتسي في حين يتم توجيه الحرب الوحيدة المحتملة نحو هامش النظام الاستراتيجي المركزي. لذلك يجب معالجة الإنتاج العلمي منذ عام 1990 حول هذا الموضوع مع الأخذ في الاعتبار الطابع المتكرر لهذا التساؤل.
ظهر في عام 1991 كتاب تحول الحرب لمارتن فان كريفيلد Martin Van Creveld. اعتبر المؤرخ الإسرائيلي أن ثالوث كلاوزفيتس (الشعب والجيش والحكومة) قد توقف عن العمل، ولكن الجيوش الغربية لا تزال تعتبر خصومها مثلها وفقا لمبدأ (صورة المرآة mirror image) مما يدفعها لإعتبارهم غير متحضرين. ذهب جون كيغان John Keegan إلى أبعد من ذلك في انتقاد تحليل كلاوزفيتس عام 1993 في كتابه تاريخ الحروب، حيث اعتبر أن الإنسان ليس حيوانا سياسيا عاقلا لأن الحرب تكشف قبل كل شيئ غرائزه. كما حللت ماري كالدور Mary Kaldor الحروب الجديدة (الحروب الجديدة والقديمة New and Old War، 1999) من حيث التمزق الثلاثي في منظور اجتماعي – اقتصادي. تهدف هذه المقاربات في البداية إلى ضمان التعبئة السياسية على أساس الهويات. كما يحل الرعب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان محل التكتيكات التقليدية. و في النهاية، فإن الجهات الفاعلة تندرج على حد السواء على المستوى المحلي و العالمي، العام و الخاص كما تتفاعل على المستوى العالمي. يندرج نجاح إعادة طبع دافيد غالولا Galula، المنظر الفرنسي لمكافحة التمرد في إطار انتقاد تحليل كلوزفيتس (في عام 2005 بالولايات المتحدة وفرنسا في عام 2008) حيث تهدف مكافحة التمرد لضمان النصر بالفوز “بالقلوب والعقول” مع التمعن في استخدام القوة.

تحليل

يمكن تفسير انتقاد مكافحة التمرد – الذي سيؤدي حتما إلى التخلي المبرمج عن مفهوم “الحرب غير المتكافئة”- عن طريق ثلاثة فخاخ أخفاها المفهوم المتصل “بالحرب المحدودة”.
يمكن اعتبار الحرب في البداية كاختبار للإرادة. لا يتميز كلا الطرفين المتورطين في هذا النوع من الصراع بنفس الرغبة في الفوز. نلاحظ أن أضعف الأطراف يستفيد من التباين في الإمكانيات المادية و اختلاف الإرادات. أمام خطر فقدان كل شيء، يتورط الأضعف في “حرب شاملة” على على عكس الأقوى الذي يعتمد “حربا محدودة”. ومع ذلك، “فإن الخصم هو الذي يفرض منطقه على الطرف الآخر” (كلاوزفيتس)، ويترتب على ذلك أن الأقوى – الذي يخشى قبل كل شيء التطرف -، سيكون مترددا في الامتثال لهذا الحكم البديهي للحرب الذي يحدد الفائز والخاسر.
يفتح هذا التردد المجال إلى الفخ الثاني الذي نادى به ماو: “اليقين من نجاح دولة قوية يدفعها إلى التصعيد لتحقيق أهدافها والمخاطرة بالعزلة عن السكان أو الظهور كعاجزة”. بما أن الطرف الأضعف يملي منطقه على الأقوى فإن هذا الأخير مجبر على الدخول في حرب لا يستطيع الفوز بها. يجب تأطير العنف المسلح بالنسبة للجيوش النظامية عن طريق القانون الدولي الإنساني jus in bello. في المقابل، لا تدخر القوات غير النظامية جنودها كما تستخدم السكان المدنيين كدرع و تأخذ على سبيل المثال الرهائن لإجبار الخصم على ارتكاب الأخطاء. بقبولها لخسائر متهورة ، تدفع القوات المتمردة خصومها إلى الدفاع الذي يهدف في أحسن الأحوال إلى تجنب الخسارة رغم أنه لا يضمن النصر. وأخيرا، فإن أهداف القوات المشتركة في الحرب ليست متطابقة. كما أشار رايموند أرون Raymond Aron، يتميز الطرف الأقوى “بالرغبة في الفوز، و المتمردون بعدم السماح لهم بالقضاء عليهم أو إبادتهم […] إذا تمكن المتمردون من تجنب الخسارة عسكريا كسبوا سياسيا”. تفتح هذه الاستراتيجية المجال لحرب استنزاف نادرا ما تكون لصالح الجيوش النظامية التي تمل من البعثات البعيدة و المكلفة، حيث يفرض الرأي العام انسحابا بلا مجد أو نصر.
كما أشار مؤلف كتاب من الحرب، ” لا يمكننا أن نقدم ادخال مبدأ الاعتدال في فلسفة الحرب دون ارتكاب حماقة”. يصبو كل من المتسببون في “الفظاعات الحالية “(خطاب داكار 12 أكتوبر 2012) و المتمردون الأخرون إضافة إلى الإرهابيين والقراصنة والمعادين للمجتمع (أسماء مستعارة من مفردات استعمارية) إلى إظهار عدم انسانية أو عدم تردد خصومهم. أمام هذين الخيارين، لا يمكننا إلا اختيار الثاني (سخافة كلاوزفيتس)، والذي لا يبشر بالخير بالنسبة للالتزام الذي هو في طور الإعداد.

المراجع

Keegan John, Histoire de la Guerre : du Néolithique à la Guerre du Golfe, Paris, Dagorno, 1996, 497 p
Kaldor Mary, New and Old Wars – Organized Violence in a Global Era, 2° éd., Stanford University Press, 2007, 231 p
Van Creveld Martin, La Transformation de la Guerre, Editions du Rocher, 1998, 318 p

PAC 75 – حركة عدم الانحياز دون شرعية لدولة دون مصداقية قمة عدم الانحياز السادسة عشر، طهران، 30-31 أغسطس 2012

مقال: جوزيفا لاروش Josepha Laroche

ترجمة: مصطفى بن براح Benberrah Moustafa

Passage au crible n°75

Pixabay, Téhéran

استضافت طهران ما بين 26 إلى 31 أغسطس 2012 القمة السادسة عشر لحركة عدم الانحياز، التي تضم اليوم 120 دولة. تولى رئاسة الحركة الدورية للسنوات الثلاث المقبلة جمهورية إيران الإسلامية بعد نهاية الاجتماع الذي شهد مشاركة 35 رئيس دولة وحكومة.
نظمت طهران خلال هذه المناسبة حملة دبلوماسية و إعلامية واسعة تهدف إلى كسر عزلتها حول القضية النووية والحصول على دعم سياستها الموالية لسوريا. حضر الاجتماع، الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون Ban Ki-Moon-على الرغم من تحفظات واشنطن – الرؤساء والأمناء العامون لجامعة الدول العربية، منظمة المؤتمر الإسلامي و منظمة الوحدة الأفريقية إضافة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين Vladimir Poutine (كعضو شرفي) و رؤساء أمريكا اللاتينية هوغو شافيز Hugo Chavez (فنزويلا) وايفو موراليس Evo Morales (بوليفيا) ورافاييل كوريا Rafael Correa ( الإكوادور) وميشال تيمار Michel Temer ، نائب رئيس البرازيل،(بصفة مراقب).

نبذة تاريخية
الإطار النظري
تحليل
المراجع

نبذة تاريخية

تأسست حركة عدم الانحياز في سبتمبر 1961 في مؤتمر بلغراد. لعب ثلاثة رؤساء دول، المارشال تيتو Tito (جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية)، الكولونيل ناصر (الجمهورية العربية المتحدة / مصر) ونهرو Nehru (الجمهورية الهندية) دورا هاما في تأسيس هذه المنظمة و تحديد مبادئها الأساسية. استندت هذه المبادئ أساسا إلى دعامتين: مكافحة الاستعمار من جهة ومعارضة الثنائية القطبية من جهة أخرى. وبعبارة أخرى، يندرج عدم الانحياز حصريا في نطاق الصراع بين الشرق والغرب، حيث أكدت الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز – وفقا لمؤتمر باندونغ (1955) – دورها كالممثلة والناطقة الرسمية باسم الجنوب ضد الشمال.
رفضت هذه الدول منذ البداية بناء هيكل دائم من شأنه أن يحتكر صياغة وتمثيل عدم الانحياز ، وينشأ بذلك سياسة عدم انحياز واحدة. تبنت حركة عدم الانحياز منذ تأسيسها نهجا براغماتيا يتجلى في رفض نظام التحالفات بشكل عام و التكتل على وجه الخصوص، لكنها استغلت التناقضات بين الأطراف الحكومية المختلفة في إطار سياسة قائمة على الوساطة و التذبذب.
استمر هذا الوضع حتى نهاية الحرب الباردة. ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي و وزوال الكتلة الشرقية، التي كان يرمز إليها تفكيك الكومكون وحلف وارسو واختفاء الديمقراطيات الشعبية في أوروبا الوسطى والشرقية، فقدت منظمة حركة عدم الانحياز سبب وجودها. ألم يفسح اختفاء توازن الرعب -الذي كان أساس هويتها و منظم العلاقات الدولية – المجال لتركيب عالمي أكثر تحرك وفوضوية، من دون أي صلة مفاهيمية مع عدم الانحياز؟ شهدت الحركة لهذا السبب عدة سنوات من الضعف السياسي و الاختفاء من وسائل الإعلام. ومع ذلك، تسعى الحكومة الإيرانية اليوم إلى وضع حد لهذا الوضع من خلال العمل على استعادة المنظمة لدورها الذي فقدته منذ فترة طويلة.

الإطار النظري

1. تجنب الدبلوماسية القسرية التي أسسها الغربيون. لا تهدف الدبلوماسية القسرية لاحتلال الأراضي، طرد العدو أو إلحاق الخسارة به و تدميره. بدلا من ذلك، تهدف مجرد الإشارة إلى إمكانية الإكراه لتشجيع المفاوضات والمساومات الضرورية من أجل تنفيذ أسرع لحل سلمي. وبعبارة أخرى، تتجلى البلوماسية في القدرة على المساومة. ” يدخل استخدامها في نطاق الدبلوماسية، هي دبلوماسية احتيالية، ولكنها لا تزال دبلوماسية” (توماس شيلينج Thomas Schelling).

2. خلق خط دبلوماسي مضاد للغرب. لمواجهة سياسة الحصار هاته، تسعى إيران إلى اقناع أعضاء حركة عدم الانحياز بوجهة نظرها المعادية للغرب.

تحليل

تهدف الدبلوماسية القسرية الموجهة منذ عدة سنوات من قبل الغرب ضد جمهورية إيران الإسلامية لفرض عقوبات على تطوير برنامجها النووي السري الذي ينتهك أحكام معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (1968) رغم مصادقتها عليها. وقد تم تأكيد الرفض المستمر من إيران لتعليق أنشطتها النووية الحساسة إضافة إلى تسليط الضوء على برنامجها النووي من خلال عدة تقارير لوكالة الطاقة الذرية. كما رفضت الدولة الإيرانية مقترحات التفاوض مع مجموعة الستة: (E3+3: ألمانيا، فرنسا، المملكة المتحدة + الولايات المتحدة، الصين، وروسيا). لم تترك هذه العرقلة المنهجية الخيار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلا زيادة الضغط على طهران وتنفيذ العقوبات (لجنة العقوبات ضد ايران المنشأة بفعل القرار 1737 ). لذلك، تم وضع جهاز حظر صارم من طرف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لزيادة الضغط على البنك المركزي الايراني ودفع الحكومة الإيرانية للتخلي عن برنامج الأسلحة النووية.
وأمام هذا الإكراه للأمم المتحدة، ردت ايران في نطاق حركة عدم الانحياز من خلال الحصول على تأييد مواقفه من طرف ممثلي عدد كبير من الدول. حيث حصلت طهران على تأييد البيان الختامي لحركة عدم الانحياز لقراءتها للمسألة النووية التي كانت موضوع اختلاف كبير . وبعبارة أخرى – بخلاف رأي جميع الخبراء – تمكنت الجمهورية الإسلامية من الوصول إلى تأييد فكرة أن برنامجها النووي سيكون ذو أغراض مدنية. كما تحصلت على اعتراف المشاركين بحقها في السيطرة على الدورة النووية الكاملة. لكن هذا الموقف يمثلا انتهاكا للحظر المعلن على إيران من طرف الغرب والأمم المتحدة لوقف برنامج التخصيب، و الذي صادق عليه كل من روسيا والصين.
هل يمكن أن نعتبر أن هذا نجاح دبلوماسي حقيقي لإيران، والذي قد يسمح لها تجنب – في المستقبل القريب وعلى المدى الطويل- نبذها ؟ بالتأكيد لا، وذلك لسببين: يندرج في البداية اهتمامها السياسي بتوحيد حركة عدم الانحياز تحت سلطتها في إطار مجرد عرض مؤقت و عابر كما بينته الانقسامات الواضحة حول الوضع السوري، حيث لم يتردد الرئيس المصري محمد مرسي في معارضة المواقف الايرانية علنا. و من جهة أخرى، لا تزال حركة عدم الانحياز ضعيفة منذ نهاية الحرب الباردة مما يجعلها أشبه بقوقعة فارغة أكثر من أن تكون رأس حربة. في الواقع، لم تعد الحركة تتوافق مع التركيبة الدولية الجديد التي تتميز بتنوع و تعدد التدفقات عبر الوطنية و تتنظم عبر تفاعلات معقدة لا تقتصر على الدول. وأخيرا، أصبحت حركة عدم الانحياز حركة عفا عليها الزمن من دون مصداقية. على هذا النحو، كيف يمكن لدولة تفتقر للمصداقية أن تنتظر الخلاص من هذه الحركة؟

المراجع

Hassner Pierre, « Violence, rationalité, incertitude: tendances apocalyptiques et iréniques dans l’étude des conflits internationaux », RFSP, 14 (6), déc. 1964, pp. 1019-1049
Levy Jack, « Prospect Theory, Rational Choice and International Relations », International Studies Quarterly, 41 (1), 1997, pp. 87-112
Schelling Thomas, Arms and Influence, New Haven, Yale University Press, 1966
Willetts Peter, The Non-aligned Movement: the Origins of a Third World Alliance, Londres/New York, F. Printer, 1978

PAC 74 – الطابع الاستثنائي للممتلكات الثقافية تدمير أضرحة تمبكتو

مقال: ألكسندر بوهاس Alexandre Bohas

ترجمة: مصطفى بن براح Benberrah Moustafa

Passage au crible n°74

Wikipédia

أثار تخريب الأضرحة الإسلامية في مالي عام 2012 من طرف المتطرفين الدينيين ذعرا ذو أبعاد عالمية. بعد هذا الإجماع الغير متبوع بأي نشاط، تجدر بنا دراسة خصوصية الممتلكات العامة الثقافية التي تتطلب تجديدا للإدارة.

نبذة تاريخية
الإطار النظري
تحليل
المراجع

نبذة تاريخية

تم تدمير قبور تمبكتو في 4 مايو 2012- المصنفة ضمن التراث العالمي للبشرية من قبل منظمة اليونسكو- من قبل الاسلاميين الذين يعتبرون تقديس الأولياء المسلمين يتعارض مع الإسلام الأصلي الذي يزعمون الإنتماء له. استمرت هذه الانتهاكات على الرغم من اعتبار هذه الآثار كتراث في خطر، وإدانة هذه الأعمال من طرف العديد من الدول والمنظمات الدولية مثل اليونسكو والمحكمة الجنائية الدولية.
تجدر الاشارة إلى احتلال شمال مالي المتكون من مدن غاو Gao، تومبكتو Tombouctou وكيدال Kidal منذ عدة أشهر من قبل العصابات المسلحة، التي تمردت في 17 يناير 2012. تتألف هذه المجموعات من تحالف متباين من الحركات الإسلامية مثل أنصار الدين، تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والحركة من أجل التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا إضافة إلى طوارق الحركة الوطنية لتحرير أزواد ، و التي تمطردهاا من هذا التحالف بعد ذلك بوقت قصير.
اعتمد المتمردون لتحقيق أهدافهم الإقليمية على المطالب الخاصة للسكان الأصليين و إيرادات التجارة غير المشروعة إضافة إلى الفراغ الوطني في المنطقة الناتج عن الفوضى في ليبيا. كما تمكنوا بعد ذلك من التقدم بسرعة من خلال التمردات و عدم تنظيم القوات الحكومية في باماكو.

الإطار النظري

1. خصوصية ممتلكات مشتركة معينة (global commons). على عكس الممتلكات العامة العالمية، تتسبب بعض الممتلكات المشتركة في تطور المنافسات و تتميز بطابعها غير الحصري. تغطي هذه الممتلكات في نطاق العولمة المزيد من المجالات بما في ذلك الثقافة حيث أنها مهددة على نحو مضاعف. تخضع في البداية إلى سلوكات “المسافر خلسة” (مانكور أولسون (Mancur Olson والمنطق الأمثل للمصلحة الذاتية (غاريت هاردن Garrett Hardin). إضافة إلى ذلك، ترمز إلى نظرة الى العالم يعارضها العديد من الأطراف الاقتصاديين والاجتماعين والدينين في إطار اعتبارها كدليل على التنوع الثقافي والتعبير عن مجتمع عالمي قيد التكوين.
2. عدم ملاءمة المؤسسات االتالية لويستفاليا. تبدو المنظمات الدولية عديمة الجدوى في مرحلة “ما بعد ويستفاليا” (ريتشارد فولك Richard Falk). أدت عملية العولمة التي أثرت على نظام الدولة الحالي الناتج عن معاهدات وستفاليا (1648) إلى ضغط الزمكان (ديفيد هارفي David Harvey)، ارتباط أعلى من أي وقت مضى (ديفيد هالد David Held)، ونشر للسلطة (سوزان سترانج Susan Strange) إضافة إلى تنوع المجالات والجهات الفاعلة العالمية (فيليب سيرني Philip Cerny). يعبر كل من تطور العنف اللاحكومي و المرتبط بالهوية إضافة إلى ظهور أقاليم لا تخضع لأي هيكل سياسي عن عدم قدرة الدولة على حل قضايا عالمية. بعبارة أخرى، فإنها تلغي جميع الإجراءات القائمة على أساس الدول ذات السيادة.

تحليل

إذا افترضنا وجود مجتمع عالمي أصلي، اعتبر منظرو العلاقات الدولية بطريقة رسمية الآليات القانونية والمؤسسية في إطار حكم عالمي (ديفيد هالد). في هذا الصدد، تشير الممتلكات العامة ذات الطبيعة الثقافية إلى تعريف موضوعي لهذه الأخيرة. إضافة إلى ذلك، تعترف اتفاقية حماية التراث العالمي -المتبناة في 16 تشرين الثاني 1972 تحت رعاية اليونسكو- ” بالأهمية الخاصة التي يتطلبها الحفاظ على [بعض الممتلكات] كجزء من التراث العالمي للبشرية جمعاء [و] الأهمية التي يمثلها، لجميع شعوب العالم، الحفاظ على هذه الممتلكات الفريدة والتي لا يمكن تعويضها لأي شعب تنتمي له “1. صادقت 189 دولة على الاتفاقية في مارس 2012 إضافة إلى 774 قطعة أثرية مدرجة في هذه القائمة. أبدت اللجنة الخاصة في نطاق استراتيجيتها العالمية نيتها في وضع تصنيف يعكس بشكل أفضل “تنوع الكنوز الثقافية […] لعالمنا […] يعترف ويحمي المواقع التي تمثل أدلة استثنائية للتفاعلات [. ..] بين البشر والتعايش الثقافي، القيم الروحية والتعبير الإبداعي “2. وبالتالي، تدفع هذه السياسة التراثية إلى الاعتراف بالقيم العالمية و الممتلكات العامة في إطار انساني. ومع ذلك، يرافق التحولات الإدماجية تجزئة تسبب عودة المنطق المانوي وتوترات في الهوية و الدين. يمثل الجنون المدمر الذي مس تمبكتو، “مدينة القديسين 333 ،” توضيحا لهذه الفكرة.
تلعب الدول دورا أساسيا في التعامل مع القضايا العالمية حيث تهتم “بضمان، تحديد، حماية، حفظ ونقل التراث الثقافي والطبيعي إلى الأجيال المقبلة “3. تقوم هذه الرؤية التي تركز على الدولة على افتراض واقعي يشير إلى أنها تظل مشروعة و قادرة على حل هذه القضايا. ومع ذلك، تم تجاوز هذا الإطار النظري اليوم نظرا لتسليط الضوء على البعد غير الحكومي للعلاقات الدولية. في هذه الحالة، تعتبر الدولة الفاشلة المالية failed state رمزا لعدد لا يحصى من الشبكات الاقتصادية، الجنائية والدينية التي لا يمكن السيطرة عليها، و التي مازالت متورطة في تجارة السلع المشروعة وغير المشروعة، التهريب والهجرة غير الشرعية.
نلاحظ اليوم فشلا نسبيا لتدخل الدولة. في الواقع، تضاعفت انذارات اليونسكو بخصوص تدهور بعض المعالم الأثرية في حين لا تزال التعبئة ضد الدمار الوشيك للمواقع من دون رد فعل. يمكن الإشارة إلى جانب قضية مالي تماثيل بوذا في باميان التي دمرتها حركة طالبان في أفغانستان في مارس 2001. إضافة إلى ذلك، سوف تزداد في المستقبل هذه المشاكل بسبب عدم كفاية الحكومة وتفاقم الهويات التي تسببها العولمة. تجدر الإشارة في النهاية إلى افتقار أدوات حكم عالمية لتحقيق تصنيف قائم على توافق في الآراء لهذا التراث المشترك، ولتعزيز ملكيته على المستوى العالمي. لا يمكن أن يترك كل من تعريفه أو الحفاظ عليه لآليات السوق أو المنظمات الحكومية الدولية، حيث يمثلان تحديا اليوم لأن الأثر الرمزي وتأثير ذلك على المعرفة تواجه وجهات نظر غير عالمية تتبناها مؤسسات قديمة.

المراجع

Chirac Jacques, Diouf Abdou, « Urgence à Tombouctou. Il faut sauver la paix au Sahel », Le Monde, 16 juillet 2012
« Conseil de paix et de sécurité de l’Union africaine – Les crises malienne et soudanaise préoccupent», All Africa, 18 juillet 2012
Cerny Philip, Rethinking World Politics: A Theory of Transnational Neopluralism, Oxford, Oxford University Press, 2010
Falk Richard, « Revisiting Westphalia, Discovering Post-Westphalia », The Journal of Ethics, 6 (4), Dec. 2002, pp. 311-352
Grégoire Emmanuel, Bourgeot André, « Désordre, pouvoirs et recompositions territoriales au Sahara», Hérodote, (142), mars 2011, pp. 3-11
Hardin Garrett, « The Tragedy of the Commons », Science, 162 (3859), Dec. 1968, pp. 1243–1248.
« La folie destructrice d’Ansar Dine », Al-Ahram Hebdo,19 juillet 2012.
Harvey David, The Condition of Postmodernity: An Enquiry into the Origins of Culture Change, Cambridge, Blackwell, 1990
Held David, « Restructuring Global Governance: Cosmopolitanism, Democracy and the Global Order»,Millenium, 37 (3), April 2009, pp. 535-547
Olson Mancur, La Logique de l’action collective, [1965], trad., Paris, PUF, 2001.
Rémy Jean-Philippe, « Mali : La Route de Tombouctou passe par Bamako », Le Monde, 17 juillet 2012.
Strange Susan, The Retreat of the State: the Diffusion of Power in the World Economy, Cambridge, Cambridge University Press, 1996
UNESCO, Convention pour la protection du patrimoine mondial culturel et naturel, Adoptée par la Conférence générale à sa 17e session à Paris le 16 novembre 1972, consultable à l’adresse suivante http://whc.unesco.org/
UNESCO, Stratégie Globale, 1994, consultable à la page web : http://whc.unesco.org/fr/strategieglobale

1. UNESCO, Convention pour la protection du patrimoine mondial culturel et naturel, Adoptée par la Conférence générale à sa 17e session à Paris le 16 novembre 1972, consultable à l’adresse suivante http://whc.unesco.org/,p. 1
2. UNESCO, Stratégie Globale, 1994 consultable à la page web : http://whc.unesco.org/fr/strategieglobale
3. UNESCO, Convention, op. cit., p. 3

PAC 73 – تعبئة متعددة القطاعات لمكافحة وباء الإيدز العالمي مؤتمر واشنطن الدولي، 22-27 يوليو 2012

مقال: بول كليمون Clément Paule

ترجمة: مصطفى بن براح Benberrah Moustafa

Passage au crible n°73

PAC 73, SIDASource : Wikipedia

شارك ما يقارب 24000 شخص من 183 دولة في المؤتمر الدولي 19 حول الإيدز ( فيروس نقص المناعة المكتسب) الذي عقدته الجمعية الدولية للإيدز( International AIDS Society (IAS : في واشنطن ما ببن 22 و 27 يوليو 2012. يعقد هذا المؤتمر كل سنتين منذ عام 1994، حيث استضاف العديد من الأنشطة كحلقات علمية، تدخلات صناع القرار و أحداث فنية تهدف إلى توعية الرأي العام بشأن وباء فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز. رغم أن المرض قد تسبب في 30 مليون حالة وفاة خلال ثلاثة عقود، يمكن اعتبار القمة نجاحا لدراستها إمكانية إنهاء الآفة في المستقبل القريب. يبدو واضحا أن هذه النظرة المتفائلة نسبيا – التي يعبر عنها شعار “معا لتغيير الوضع” (turning the tide together) – تعتمد على التطورات التقنية رغم أن الأزمة المالية تدفع المتبرعين إلى التراجع عن المشاركة. تضاعفت الجهود منذ ذلك الحين لتوسيع فرص الحصول على العلاج ل 97٪ من المرضى الذين يعيشون في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل إضافة إلى تكثيف جهود البحوث الطبية.

نبذة تاريخية
الإطار النظري
تحليل
المراجع

نبذة تاريخية

بعد تحديد وعزل الفيروس في بداية الثمانينات، وضعت العديد من الدول برامجا عامة للعمل من أجل السيطرة على الوباء. انتُقد في كثير من الأحيان طابع هذه المبادرات المحلية التجاري و المُقصي لبعض الشرائح الإجتماعية – كإجراءات الحجر الصحي -, حيث أثبتت عدم فاعليتها لاحتواء وباء فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز الذي تحول إلى وباء خلال العقود التالية. في نهاية المطاف، تم تنظيم مكافحة هذه الكارثة الصحية على الصعيد العالمي، كما يتضح من إنشاء الترتيبات المؤسسية مثل برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز(ONUSIDA) في عام 1995. تجدر الإشارة في الوقت نفسه إلى تضاعف الجمعيات – مثل Sidaction أو AIDES en France-، حيث تم تدويل البعض منها كمنظمة أكت أب (ACT UP AIDS: Coalition to Unleash Power). كما أنشأت الدول آليات مختلفة للتعاون من أجل الحد من الوفيات في المناطق المتضررة بشدة، وخاصة في أفريقيا السوداء. على هذا النحو، يمثل مشروع بيبفار: خطة الرئيس الأميركي الطارئة للإغاثة من الإيدز ( President’s Emergency Plan for AIDS Relief :PEPFAR) الذي أنشأه جورج بوش في عام 2003 و الذي يتكون من عدة مليارات الدولارات أكبر تدخل حكومي في مجال الصحة العالمية. تبعا لهذا المنطق، تم إنشاء مشروع يونيتيد UNITAID في عام 2006 لتسهيل شراء العلاجات للبلدان النامية عن طريق ضريبة تضامن على تذاكر الطيران التي تطبقها ثلاثين دولة. نلاحظ أخيرا ظهور هياكل في القطاعين العام والخاص مثل الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا في عام 2002، حيث تهدف هذه الأداة المالية إلى تنظيم توزيع الأموال المخصصة لأنشطة مكافحة الإيدز.
تجمع داخل هذا الهيكل المعقد الجمعية الدولية للإيدز -التي تأسست في عام 1988- حوالي 16000 عضوا، بما في ذلك العديد من الباحثين والمتخصصين في مجال الصحة و الفيروس. وقد فرضت هذه منظمة غير الربحية نفسها كفاعل مسيطر على الخبرات الرائدة متعددة الأوجه: يشهد على ذلك تعيين فرانسواز باري السنوسي Françoise Barré-Sinoussi – جائزة نوبل للطب في عام 2008- مؤخرا كرئيس للمنظمة. يلعب المؤتمر الدولي المعني بالإيدز (International AIDS Conference) على هذا النحو دورا هاما حيث تساهم هذه المناسبات في التعريف بأحدث الاكتشافات العلمية حول هذا المرض إضافة إلى تعزيز التوعية الدولية و تشجيع التبرعات. كما يبدو اختيار هذه الساحة للإعلان عن إمكانيات محاربة اتجاه الوباء مهما جدا على المستوى الرمزي، حيث يستند هذا الموقف على التقدم التقني الكبير. نذكر على سبيل المثال مريض برلين الذين قُدم كأول حالة علاج الإيدز بعد عملية زراعة النخاع العظمي في عام 2007. كما ينبغي الإشارة إلى أن 34 مليون شخص يعيشون بفيروس نقص المناعة البشرية حاليا، في حين لا تشمل الاستفادة من العلاج المضاد للفيروسات الرجعية (الرتروفيروسات) أكثر من 54٪ من 15 مليون شخص – أي حوالي 8 مليون شخص -. بالإضافة إلى ذلك، فإن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى ظهور 2.7 مليون إصابة جديدة خلال عام 2010 – انخفاض بنسبة 20٪ منذ عام 2001 – في حين يقدر عدد الوفيات المرتبطة بالفيروس بحوالي 1.8 مليون في نفس الفترة.

الإطار النظري

1. نشاط حكم عالمي للصحة. يشير هذا المؤتمر إلى وجود مجموعة من الشراكات التي تنظمت حول مشكلة عامة عالمية معينة، وهي فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز. ولكن من المهم استكشاف خطوط التفاعلات في هذا الفضاء الذي يجمع أطرافا ذو أموال و مراكز غير متجانسة مما يؤثر على الإدارة الدولية للوباء.
2. التقدم العلمي مقابل المنطق الاجتماعي والاقتصادي. إذا أشار تقدم البحث العلمي حول الفيروس إلى احتمال القضاء عليه، فقد اتفق معظم المشاركين على أن اعتماد المنهج التقني غير كافي. في الواقع، إن المرض مترسخ في العلاقات الاجتماعية على مستويات مختلفة، حيث يشمل الصراع بين الشمال / الجنوب إضافة إلى الانتقادات الأخلاقية.

تحليل

يجب التأكيد في البداية على تنوع المساهمين في الحدث: إلى جانب شخصيات سياسية – وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون Hillary Clinton، الرئيس السابق بيل كلينتون Bill Clinton ونائب رئيس جنوب افريقيا كجاليما موتلانثي Kgalema Motlanthe – شهدت المناسبة حضور فنانين – التون جون Elton John- و مسؤولين دوليين – رئيس البنك الدولي جيم كيم يونغ Jim Yong Kim، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بنقص المناعة/الإيدز UNAIDS ميشيل سيديبي Michel Sidibé – إضافة إلى رجال الأعمال – بيل غايتس Bill Gates – و علماء مشهورين. توضح هذه التعبئة متعددة القطاعات حالة التعايش التدريجي بين الأطراف الحكومية و الخاصة مع صعود الجهات الفاعلة غير الحكومية، بما في ذلك الشركات متعددة الجنسيات أو المؤسسات الخاصة. تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى تعدد مواقف بعض الأطراف مثل الرئيس السابق بيل كلينتون الذي شارك في التفاوض مع شركات الأدوية لتخفيض سعر بعض العلاجات. ومع ذلك، فإن الدور المتنامي للرأسماليين الخيريين -مثل جمعية غايتس التي استثمرت 2.5 مليار دولار لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية – إضافة إلى العديد من دول الجنوب ليس كافيا لتغطية انسحاب الدول المانحة في سياق سياسة التقشف: تقدر هيئة مكافحة السيدا التابعة للأمم المتحدة ONUSIDA الخسائر بحوالي 7 مليارات دولار لأهداف أعلى بثلاث مرات في عام 2015 خصوصا بعد إعلان باراك أوباما-الغائب عن المؤتمر- عن تخفيضات في الميزانية المخصصة للبيبفار في عام 2013.
على الرغم من هذه الصعوبات، تدفع نتائج البحوث للتفاؤل وفقا لمبادرة نحو علاج فيروس نقص المناعة البشرية (Towards an HIV Cure)التي نظمتها المؤتمرات الدولية المعنية بالإيدز، بينما تشهد المؤشرات الصحية بعض التحسن. تم اقتراح آفاق جديدة لتحسين العلاجات الحالية التي تم تخفيض تكاليفها رغم عدم الوصول إلى لقاح لحد الآن. نذكر على سبيل المثال مادة تروفادا Truvada التي تقلل من خطر الانتقال – ما يصل إلى 90٪ عندما تؤخذ يوميا وفقا لدراسات طبية – خلال علاقة جنسية، والتي وافقت عليها إدارة الغذاء والدواء (Food and Drug Administration) عشية المؤتمر الدولي المعني بالإيدز. مع ذلك، فقد أثار هذا الابتكار قلق منظمات مثل أكت أب (ACT-UP)التي ناقشت الآثار الضارة المحتملة للمنتوج من حيث الوقاية. بشكل أعم، لا يزال تنفيذ هذه التقنيات مصدرا للجدل نظرا لتعقد المنطق الاجتماعي الذي يندرج في إطاره الوباء.
وهكذا، على الرغم من الاستنكارات المتكررة لإنتقاد الأشخاص المصابين بالفيروس، لم يتمكن العديد من النشطاء في الجنوب من الحصول على تأشيرة الذهاب إلى واشنطن. رفضت الإدارة الأمريكية مطالب عمال و عاملات الجنس الذين قاموا بتنظيم قمة موازية خلال نفس الفترة بكولكاتا في الهند. هدفت هذه المناسبة التي جمعت حوالي ألف متظاهر- والتي اتخذت شعار مهرجان حرية عمال الجنس Sex Workers Freedom Festival – إلى إدراج ومشاركة هؤلاء الأطراف في عملية اتخاذ القرار في مجال مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز. كما أيد هذه المبادرة المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بنقص المناعة/الإيدز، الذي أشار إلى تخصيص أقل من 1٪ من التمويل الدولي لعمال الجنس رغم أنهم أحد الشرائح الأكثر تضررا من هذا المرض. بالإضافة إلى ذلك، ندد المتظاهرون بالشروط المرتبطة بتوزيع الأموال من خلال البيبفار الذي يشترط توقيع بند مكافحة البغاء من قبل المنظمات التي يدعمها. هذا المثال يتعدى الطبيعة التقنية للردود ليبين صعوبة القضاء على وباء ذو البعد السياسي.

المراجع

Dixneuf Marc, « La santé publique comme observatoire de la mondialisation », in : Josepha Laroche (Éd.), Mondialisation et gouvernance mondiale, Paris, PUF, 2003, pp. 213-225
Site de la 19e Conférence Internationale sur le sida : http://www.aids2012.org, 20 août 2012
UNAIDS, UNAIDS Guidance Note on HIV and Sex Work, avril 2012, consultable à l’adresse: http://www.unaids.org, 21 août 2012
UNAIDS, Together We Will End AIDS, 18 juillet 2012, consultable à l’adresse: http://www.unaids.org, 25 août 2012

PAC 72 – معاقبة الإفلات من العقاب لجريمة عبر وطنية إدانة تشارلز تايلور أمام المحكمة الخاصة لسيراليون

مقال: إيف بوامور Yves Poirmeur

ترجمة: مصطفى بن براح Benberrah Moustafa

Passage au crible n°72

Pixabay, Sierra Leone

حُكم على تشارلز تايلور Charles Taylor -رئيس ليبيريا السابق- في 30 مايو 2012 بالسجن لمدة 50 عاما من قبل المحكمة الخاصة لسيراليون. حيث اعتُرف به شريكا في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت خلال الحرب الأهلية التي هزت سيراليون لمدة 11 عاما. إنها أول مرة يدين فيها القضاء الدولي رئيس دولة للجرائم المرتكبة خلال ممارسته وظائفه منذ الحرب العالمية الثانية أين فرضت محكمة نورمبرغ 10 سنوات سجن على الأميرال كارل دونيتز Karl Dönitz – الذي تولى خلافة هتلر لمدة قصيرة-. يمثل هذا الحكم المستأنف خطوة أخرى إلى الأمام في مكافحة إفلات المجرمين الدوليين من العقاب، كما يظهر اهتمام العدالة الدولية بمعاقبة الحكام الذين تسببوا أو تعاونوا في حرب أهلية في دولة أخرى من أجل استخدام النزاع لخدمة مصالحهم الخاصة بطريقة مثالية.

نبذة تاريخية
الإطار النظري
تحليل
المراجع

نبذة تاريخية

كان تشارلز تايلور زعيم الجبهة الوطنية القومية الليبيرية (1989-1997) التي سعت إلى الإطاحة بحكومة صامويل دو كانيون Samuel Kanyon Doe ، حيث عمل منذ عام 1991 على إضعاف خصومه في الخارج من خلال دعم العمليات العسكرية للجبهة المتحدة الثورية التي يقودها فودي سنكوح Foday Sankoh ضد حكومة سيراليون. تابع بعد انتخابه رئيسا لليبيريا في عام 1997 التدخل في النزاعات المسلحة في البلدان المجاورة (غينيا وكوت ديفوار) والمشاركة في ارتكاب فظائع في سيراليون، بما في ذلك هجمات الجبهة المتحدة الثورية للسيطرة على مدن كونو (1998) وفريتاون (1999). أُجبر تايلور على الاستقالة في عام 2003 تحت ضغوطات المعارضة الناتجة عن سياسته القمعية، وأدين من قبل المحكمة الخاصة لسيراليون (7 مارس 2003) لدعمه لمتمردي سيراليون وللجرائم خلال الحرب الأهلية: جرائم حرب (الإرهاب، الهجمات المس بالكرامة الشخصية، المعاملات القاسية، و تجنيد الأطفال للمشاركة في الحرب والنهب) والجرائم ضد الإنسانية (القتل، الاغتصاب، الاستعباد الجنسي وأفعال لاإنسانية أخرى). سمحت نيجيريا بالقبض عليه بعد تقديمها الملجأ السياسي، حيث تم تسليمه إلى المحكمة الخاصة في عام 2006 بناء على طلب من الحكومة الليبيرية التي شُكلت حديثا. تمت بعد ذلك محاكمته في لاهاي عوض سيراليون لتفادي زعزعة استقرار المنطقة.

الإطار النظري

1. تدويل جريمة اقتصادية-سياسية. في إطار الدول الهشة أو المنهارة (Failed States, collapsed States) التي تواجه حكوماتها الفصائل العسكرية المتجذرة السكان، تسمح الفوضى الداخلية للمنظمات الإجرامية عبر الوطنية بالازدهار و تطوير مبادلاتها من خلال تسليح الفصائل المتحاربة. تتكون فوائدها من موارد الأراضي التي تستولي عليها بالعنف، حيث لا تتردد في ارتكاب أخطر الجرائم الدولية من أجل القيام بذلك. كما أن تدخل قادة دولة مجاورة في هذه المبادلات يزيد من تعقيد تحقيق السلام. في الواقع، يساهم الرؤساء المتعاونون مع الجماعات المتمردة الأجنبية في تنظيم واجهة اجرامية متعددة الجبهات من خلال استغلال موارد دولهم و اعتماد مناصبهم لتعطيل جهود السلام التي يقوم بها مجلس الأمن.
2. استغلال الوظائف الحكومية كظرف مشدد. يشهد قانون المحاكم الجنائية الدولية اليوم تطورا في إطار عدم اعتبار “الموقف الرسمي للمتهم، سواء كان رئيسا لدولة أو مسؤولا كسبب لتفادي أو تخفيف العقوبة” (النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية، المادة 7). حيث تعتبر هذه المحاكم استغلال النفوذ و الوظائف من قبل الحكام كظرف مشدد في تحديد العقوبة. هذه الاستراتيجية القمعية فعالة في محاربة هذا الشكل من أشكال الجريمة العبر وطنية التي يدعم عادة الحكام مرتكبيها عوض المشاركة المباشرة فيها.

تحليل

كان رهان الحرب الأهلية المندلعة في سيراليون، و الناجمة عن التحالف بين الفصائل الليبيرية والسيراليونية للجبهة الوطنية القومية الليبيرية و الجبهة المتحدة الثورية السيطرة على حقول الماس و سوق الماس الذي لم تتمكن الحكومة السيراليونية من احتكاره. استمر هذا الصراع بعد ذلك بسبب تجارة هذه الأحجار الكريمة – “الماس الدم” – التي أصبحت ليبيريا طرفا مركزيا فيها تحت رئاسة تايلور. تمكنت الجبهة المتحدة الثورية المتواجدة في منطقة ليبيريا الماسية الحصول بسهولة على الأسلحة من تايلور الذي كان يقايض الحجارة المهربة. استخدم مجلس الأمن وسائلا متنوعة لوضع حد لهذه الحرب التي تعتمد على اقتصاد قائم على الجريمة.
للحد من هذه التجارة اللاقانونية وحرمان المتمردين من الموارد، قام مجلس الأمن بعزل الجبهة المتحدة الثورية عن الدول المجاورة (القرار 1171/1998)، ولا سيما عن ليبريا، حيث طلب من هذه الدولة وقف جميع المساعدات العسكرية المالية و تجميد حساباتها. لاحتواء التهريب ومضاعفة الخناق على “مبيضي الأموال”، اشترط استيراد الماس الخام بمرافقة شهادة المصدر الصادرة عن حكومة سيراليون (القرار 1306/2000). كما قرر المجلس لزيادة فعالية هذا الجهاز فرض حظر على الماس الآتي من ليبيريا والأسلحة في اتجاه هذا البلد (القرار 1343/2001).وعلاوة على ذلك، دفع عدم تمكن عملية المصالحة والعملية الانتقالية تحت رعاية الأمم المتحدة والجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا في عام 1999 من منع استئناف الأعمال العدائية (أسر 500 قوات حفظ السلام من طرف الجبهة المتحدة الثورية في مايو 2000) بمجلس الأمن إلى تنظيم عملية حفظ السلام كبيرة بشكل استثنائي (القرار 1270/1999 إنشاء بعثة الأمم المتحدة) لدمجها 17500 الرجال.
تم إنشاء المحكمة الخاصة لسيراليون بموجب اتفاق بين الأمم المتحدة وسيراليون (16 يناير 2002)، لمحاكمة “أولئك الذين يتحملون أثقل المسؤوليات”. لذلك أصدرت هذه المحكمة حكما مثاليا في حق تايلور يمكن أن يساهم مستقبلا في ردع رؤساء آخرين عن تطوير هذا النوع من الجريمة الاقتصادية-السياسية. في الواقع، فإن الدائرة الابتدائية لم تكتفي بتقرير أنه مذنب بالمساعدة، التخطيط والتحريض على ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لها سيراليون، بل اعتبرت أنه استغل لارتكاب هذه الجرائم منصبه كرئيس ليبيريا، إضافة إلى منصبه في لجنة الخمسة بالجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا المكلفة من طرف الامم المتحدة بالمساعدة في استعادة السلام. وأخيرا، اعتبرت أنه استفاد ماديا من خلال تأجيج الصراع: حيث اعتبرت جميع هذه العناصر ظروفا مشددة.
يندرج هذا القرار في سياق قانون المحكمة الجنائية الدولية لرواندا. حيث اعتبرت تلك المحكمة في عام 1998 الوظائف الوزارية العليا التي احتلها جان كامباندا Jean Kambanda -رئيس الوزراء السابق لرواندا المتهم بالإبادة الجماعية- ” ذات طبيعة تستبعد نهائيا إمكانية تخفيف العقوبة”(المحكمة الجنائية الدولية لرواندا،4 سبتمبر 1998، كامباندا).

المراجع

Chataignier Jean-Marc, L’ONU dans la crise en Sierra Leone. Les méandres d’une négociation, Paris, Karthala, 2005
Decaux Emmanuel, « Les gouvernants », in : Hervé Ascensio, Emmanuel Decaux, Alain Pellet (Éd.), Droit international pénal, Paris, Pedone, 2000
Martineau Anne-Charlotte, Les juridictions pénales internationalisées, Paris, Pedone, 2007
Strange Susan, Le Retrait de l’État. La dispersion du pouvoir dans l’économie mondiale, Paris, Temps Présent, 2011